عَن شُعْبَة سَأَلت الْأَصْمَعِي مَا معنى ليغان على قلبِي فَقَالَ عَمَّن يرْوى ذَلِك قلت عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَو كَانَ عَن غير قلب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فسرته لَك وَأما قلب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلَا أَدْرِي فَكَانَ شُعْبَة يتعجب مِنْهُ
وَعَن الْجُنَيْد لَوْلَا أَنه حَال النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لتكلمت فِيهِ وَلَا يتَكَلَّم على حَال إِلَّا من كَانَ مشرفا عَلَيْهَا وجلت حَاله أَن يشرف على نهايتها أحد من الْخلق وَتمنى الصّديق رضى الله عَنهُ مَعَ علو مرتبته أَن يشرف عَلَيْهَا فَعَنْهُ لَيْتَني شهِدت مَا اسْتغْفر مِنْهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فَهَذِهِ طَريقَة المصححين وَتكلم فِيهِ آخَرُونَ على حسب مَا انْتهى إِلَيْهِ فهمهم وَلَهُم منهاجان أَحدهمَا حمل الْغَيْن على حَالَة جميلَة ومرتبة عالية اخْتصَّ بهَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْمرَاد من استغفاره خضوعه وَإِظْهَار حَاجته إِلَى ربه أَو ملازمته للعبودية وَمن هَؤُلَاءِ من نزل الْغَيْن على السكينَة والاطمئنان وَعَن أبي سعيد الخراز الْغَيْن شَيْء لَا يجده إِلَّا الْأَنْبِيَاء وأكابر الْأَوْلِيَاء لصفاء الْأَسْرَار وَهُوَ كالغين الرَّقِيق الَّذِي لَا يَدُوم
وَالثَّانِي حمل الْغَيْن على عَارض يطْرَأ غَيره أكمل مِنْهُ فيبادر إِلَى الاسْتِغْفَار إعْرَاضًا وعَلى هَذَا كثرت التنزيلات والتأويلات فقد كَانَ سَبَب الْغَيْن النّظر فِي حَال الْأمة واطلاعه على مَا يكون مِنْهُم فَكَانَ يسْتَغْفر لَهُم وَقيل سَببه مَا يحْتَاج إِلَيْهِ من التَّبْلِيغ ومشاهدة الْخلق فيستغفر مِنْهُ ليصل إِلَى صفاء وقته مَعَ الله وَقيل مَا كَانَ يشْغلهُ من تمادي قُرَيْش وطغيانهم وَقيل مَا كَانَ يجد فِي نَفسه من محبَّة إِسْلَام أبي طَالب وَقيل لم يزل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مترقيا من رُتْبَة إِلَى رُتْبَة فَكلما رقي دَرَجَة والتفت إِلَى