وَأخذ على الْمُتَكَلِّمين قَوْلهم إِن الله تَعَالَى لَو كَانَ فِي جِهَة فإمَّا أَن يكون أكبر أَو أَصْغَر أَو مُسَاوِيا وكل ذَلِك محَال
قَالَ فَلم يفهموا من قَول الله تَعَالَى {على الْعَرْش} إِلَّا مَا يثبتون لأي جسم كَانَ على أَي جسم كَانَ
قَالَ وَهَذَا اللَّازِم تَابع لهَذَا الْمَفْهُوم وَأما اسْتِوَاء يَلِيق بِجلَال الله فَلَا يلْزمه شَيْء من اللوازم
فَنَقُول لَهُ أتميميا مرّة وقيسيا أُخْرَى إِذا قلت اسْتَوَى اسْتِوَاء يَلِيق بِجلَال الله فَهُوَ مَذْهَب الْمُتَكَلِّمين وَإِن قلت اسْتِوَاء هُوَ اسْتِقْرَار واختصاص بِجِهَة دون أُخْرَى لم يجد ذَلِك تخلصا من الترديد الْمَذْكُور والاستواء بِمَعْنى الِاسْتِيلَاء
وَأشْهد لَهُ فِي هَذِه الْآيَة أَنَّهَا لم ترد قطّ إِلَّا فِي إِظْهَار العظمة وَالْقُدْرَة وَالسُّلْطَان وَالْملك وَالْعرب تكني بذلك عَن الْملك فَيَقُولُونَ فلَان اسْتَوَى على كرْسِي المملكة وَإِن لم يكن جلس عَلَيْهِ مرّة وَاحِدَة ويريدون بذلك الْملك
وَأما قَوْلهم فَإِن حملتم الاسْتوَاء على الِاسْتِيلَاء لم يبْق لذكر الْعَرْش فَائِدَة فَإِن ذَلِك فِي حق كل الْمَخْلُوقَات فَلَا يخْتَص بالعرش
فَالْجَوَاب عَنهُ أَن كل الموجودات لما حواها الْعَرْش كَانَ الِاسْتِيلَاء عَلَيْهِ اسْتِيلَاء على جَمِيعهَا وَلَا كَذَلِك غير وَأَيْضًا فكناية الْعَرَب السَّابِقَة ترجحه وَقد تقدم الْكَلَام عَن السّلف فِي معنى الاسْتوَاء كجعفر الصَّادِق وَمن تقدم
وَقَوْلهمْ اسْتَوَى بمنى استولى إِنَّمَا يكون فِيمَا يدافع عَلَيْهِ
قُلْنَا واستوى بمنى جلس أَيْضا إِنَّمَا يكون فِي جسم وَأَنْتُم قد قُلْتُمْ إِنَّكُم لَا تَقولُونَ بِهِ وَلَو وصفوه تَعَالَى