وَتَقْرِير هَذَا الْبُرْهَان أَن نِسْبَة الْجِهَات إِلَيْهِ على التَّسْوِيَة فَيمْتَنع أَن يكون فِي الْجِهَة
وَبَيَان أَن نسبتها إِلَيْهِ على التَّسْوِيَة أَنه قد ثَبت أَن الْجِهَة أَمر وجودي فَهِيَ إِن كَانَت قديمَة مَعَ الله لزم وجوده قديمين متميزين بذاتيهما لِأَنَّهُمَا إِن لم يتميزا بذاتيهما فالجهة هِيَ الله تَعَالَى وَالله هُوَ الْجِهَة تَعَالَى الله عَن ذَلِك
وَإِن لم تكن قديمَة فاختصاصه بهَا إِمَّا أَن يكون لِأَن ذَاته اقْتَضَت ذَلِك فَيلْزم كَون الذَّات فاعلة فِي الصِّفَات النفسية أَو غير ذاتية فنسبة الْجِهَات إِلَى ذَاته على التَّسْوِيَة فمرجح جِهَة على جِهَة أَو غير ذاتية فنسبة الْجِهَات إِلَى ذَاته على التَّسْوِيَة فمرجح جِهَة على جِهَة أَمر خَارج عَن ذَاته فَلَزِمَ افتقاره فِي اخْتِصَاصه بالجهة إِلَى غَيره والاختصاص بالجهة هُوَ عين التحيز والتحيز صفة قَائِمَة بِذَات المتحيز فَلَزِمَ افتقاره فِي صفة ذَاته إِلَى غَيره وَهُوَ على الله تَعَالَى محَال
ثمَّ اعْلَم أَن هَذِه الْبَرَاهِين الَّتِي سردناها وتلقيناها من مَشَايِخ الطَّرِيق فَإِنَّمَا استنبطوها من الْكتاب الْعَزِيز وَلَكِن لَيْسَ كل مَا فِي الْكتاب الْعَزِيز يعرفهُ كل أحد فَكل يغترف بِقدر إنائه وَمَا نقصت قَطْرَة من مَائه
وَلَقَد كَانَ السّلف يستنبطون مَا يَقع من الحروب وَالْغَلَبَة من الْكتاب الْعَزِيز وَلَقَد استنبط ابْن برجان رَحمَه الله من الْكتاب الْعَزِيز فتح الْقُدس على يَد صَلَاح الدّين فِي سنته واستنبط بعض الْمُتَأَخِّرين من سُورَة الرّوم إِشَارَة إِلَى حُدُوث مَا كَانَ بعد سنة ثَلَاث وَسبعين وسِتمِائَة وَلَقَد استنبط كَعْب الْأَحْبَار رَضِي الله عَنهُ من التَّوْرَاة أَن عبد الله بن قلَابَة يدْخل إرم ذَات الْعِمَاد وَلَا يدخلهَا غَيره وَكَانَ يستنبط مِنْهَا مَا يجْرِي من الصَّحَابَة رَضِي الله عَنْهُم وَمَا يلاقيه أجناد الشَّام وَذَلِكَ مَشْهُور