للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

لم أقبل شَهَادَته عَلَيْهِ لِأَن عِنْدهمَا زِيَادَة عَلَى مَا طلبه الشَّارِع مِنْهُمَا أوجبت عِنْدِي الرِّيبَة فِي أَمرهمَا فكم من شَاهد رَأَيْته يبغض إنْسَانا وَيشْهد عَلَيْهِ بِالْفِسْقِ تدينا وَجَاءَنِي وَأدّى الشَّهَادَة عِنْدِي باكيا وَقت تأديته الشَّهَادَة عَلَى الدّين فرقا خَائفًا أَن يخسف بِالْمُسْلِمين لوُجُود الْمَشْهُود عَلَيْهِ بَين أظهرنَا

وَأَنا وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ أعتقد وأتيقن أَن الْمَشْهُود عَلَيْهِ خير مِنْهُ وَلَا أَقُول إِنَّه كذب عَلَيْهِ عَامِدًا بل إِنَّه بنى عَلَى الظَّن وَصدق أقوالا ضَعِيفَة أبْغض الْمَشْهُود عَلَيْهِ بِسَبَبِهَا فمنذ أبغضه لحقه هوى النَّفس وَاسْتولى عَلَيْهِ الشَّيْطَان وَصَارَ الْحَامِل لَهُ فِي نفس الْأَمر حَظّ نَفسه وَفِيمَا يخْطر لَهُ الدّين

هَذَا مَا شاهدته وأبصرته ولي فِي الْقَضَاء سِنِين عديدة فليتق اللَّه امْرُؤ وقف عَلَى حُفْرَة من حفر النَّار فَلَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه قد جعلني اللَّه قَاضِيا ومحدثا وَقد قَالَ ابْن دَقِيق الْعِيد أَعْرَاض النَّاس حُفْرَة من حفر النَّار وقف عَلَيْهَا المحدثون والحكام

وَمِمَّا يُؤَيّد مَا قلته أَن أَصْحَابنَا قَالُوا من استباح دم غَيره من الْمُسلمين وَلم يقدر عَلَى قَتله فَشهد عَلَيْهِ بقتل لم يقتل ذكره الرَّوْيَانِيّ فِي الْبَحْر فِي بَاب من تجوز شَهَادَته نقلا عَن بعض أَصْحَابنَا ساكتا عَلَيْهِ وَلَا يعرف فِي الْمَذْهَب خِلَافه فَإِن قلت قد قَالَ عقيبة وَمن شتم متأولا ثمَّ شهد عَلَيْهِ قبل أَو غير متأول فَلَا

قلت يَعْنِي بِالْقبُولِ بعد الشتم متأولا الشَّهَادَة بِأَمْر معِين وَنحن نعلم أَنه لَا يحملهُ عَلَيْهَا بغض فَلَيْسَ كمن وصفناه

وَمِمَّا يَنْبَغِي أَن يتفقد عِنْد الْجرْح أَيْضًا حَال الْجَارِح فِي الْخِبْرَة بمدلولات الْأَلْفَاظ فكثيرا مَا رَأَيْت من يسمع لَفْظَة فيفهمها عَلَى غير وَجههَا

والخبرة بمدلولات الْأَلْفَاظ وَلَا سِيمَا الْأَلْفَاظ الْعُرْفِيَّة الَّتِي تخْتَلف باخْتلَاف عرف النَّاس وَتَكون فِي بعض الْأَزْمِنَة مدحا وَفِي بَعْضهَا ذما أَمر شَدِيد لَا يُدْرِكهُ إِلَّا قعيد بِالْعلمِ

وَمِمَّا يَنْبَغِي أَن يتفقد أَيْضًا حَاله فِي الْعلم بِالْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّة فَرب جَاهِل ظن الْحَلَال حَرَامًا فجرح بِهِ وَمن هُنَا أوجب الْفُقَهَاء التَّفْسِير ليتوضح الْحَال

<<  <  ج: ص:  >  >>