للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَأما بَاب الْعِبَادَة والمراقبة فوَاللَّه مَا رَأَتْ عَيْنَايَ مثله كَانَ دَائِم التِّلَاوَة وَالذكر وَقيام اللَّيْل جَمِيع نَومه بِالنَّهَارِ وَأكْثر ليله التِّلَاوَة وَكَانَت تِلَاوَته أَكثر من صلَاته ويتهجد بِاللَّيْلِ وَيقْرَأ جَهرا فِي النَّوَافِل وَلَا ترَاهُ فِي النَّهَار جَالِسا إِلَّا وَهُوَ يَتْلُو وَلَو كَانَ رَاكِبًا وَلَا يَتْلُو إِلَّا جَهرا وَكَانَ يَتْلُو فِي الْحمام وَفِي المسلخ

وَأما بَاب الْغَيْبَة فوَاللَّه لم أسمع اغتاب أحدا قطّ لَا من الْأَعْدَاء وَلَا من غَيرهم وَمن عَجِيب أمره أَنه كَانَ إِذا مَاتَ شخص من أعدائه يظْهر عَلَيْهِ من التألم والتأسف شَيْء كثير وَلما مَاتَ الشَّيْخ فَخر الدّين الْمصْرِيّ رثاه بِأَبْيَات شعر وتأسف عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ لما مَاتَ القَاضِي شهَاب الدّين ابْن فضل الله الَّذِي سقنا كَلَامه فِيهِ فِيمَا مضى وَلَا يخفى مَا كَانَ بَينهمَا وَمن الْغَرِيب أَنه قَرَأَ طَائِفَة من الْقُرْآن ثمَّ أهداها لَهُ فَقلت لَهُ لم هَذَا أَنْت لم تظلمه قطّ وَهُوَ كَانَ يظلمك فَمَا هَذَا فَقَالَ لعَلي كرهته بقلبي فِي وَقت لحظ دُنْيَوِيّ فَانْظُر إِلَى هَذِه المراقبة

وَمِمَّا يدلك على مراقبته قَوْله فِي كتاب الحلبيات وَقد ذكر أَن القَاضِي لَا تسمع عَلَيْهِ الْبَيِّنَة فَإِن قَوْله أصدق مِنْهَا وَأَن فِي كَلَام الرَّافِعِيّ مَا يَقْتَضِي سماعهَا وَتَابعه ابْن الرّفْعَة وَأَنه لَيْسَ بِصَحِيح مَا صورته وتوقفت فِي كِتَابَة هَذَا وخشيت أَن يداخلني شَيْء لكوني قَاضِيا حَتَّى رَأَيْت فِي ورقة بخطي من نحور أَرْبَعِينَ سنة كلَاما فِي هَذِه الْمَسْأَلَة وَفِي آخرهَا وَمَا يَنْبَغِي أَن تسمع على القَاضِي بَيِّنَة وَلَا أَن يطْلب بِيَمِين

انْتهى

فَانْظُر خَوفه مداخلات الْأَنْفس بِحَيْثُ لَو لم يجد هَذِه الورقة السَّابِقَة على تَوليته الْقَضَاء بسنين عديدة لتوقف فِي كِتَابَة مَا اخْتَارَهُ خشيَة وفرقا على دينه جزاه الله عَن دينه خيرا

<<  <  ج: ص:  >  >>