وَكَانَ لَا يصبر إِذا طلعت الشَّمْس إِلَى أَن يَسْتَوِي طَعَام الْبَيْت بل يَأْكُل من السُّوق وَمَا ذَلِك إِلَّا لسهره بِاللَّيْلِ مَعَ حِدة ذهنه فيجوع من طُلُوع الشَّمْس وَلَا يُطيق الصَّبْر ثمَّ إِذا أكل اجتزأ بالعلقة من الطَّعَام واليسير من الْغذَاء
وَأما مأكله وملبسه وملاذه الدُّنْيَوِيَّة فَأمر يسير جدا لَا ينظر إِلَى شَيْء من ذَلِك بل يجتزئ بِيَسِير المأكل ونزر الملبس
وَأما عدم مبالاته بِالنَّاسِ فَأمر غَرِيب وَلَقَد شاهدته غير مرّة يخرج بملوطته وعمامته الَّتِي ينَام فِيهَا إِلَى الطَّرِيق ورأيته مرّة خرج كَذَلِك وَكَانَت الملوطة الَّتِي عَلَيْهِ وسخة مقطعَة
رَاح إِلَى الْجَامِع يَوْم ختم البُخَارِيّ وَجلسَ فِي أخريات النَّاس بِحَيْثُ لم يشْعر بِهِ أحد ثمَّ كَأَنَّهُ عرضت لَهُ حَالَة فَرفع يَدَيْهِ وَتوجه ساكتا على عَادَته وَصَارَ رَافع يَدَيْهِ قبل أَن يشرعوا فِي الدُّعَاء بِنَحْوِ سَاعَة زمانية أَو أَزِيد ثمَّ اسْتمرّ كَذَلِك إِلَى أَن فرغ وَصَارَت الْعَوام يرونه ويتعجبون من لبسه وحاله ومجيئه على تِلْكَ الصُّورَة وَمَا تمّ الْمجْلس إِلَّا وَقد حضر النَّقِيب والغلمان فَقَامَ وَحضر إِلَى الْبَيْت وهم بَين يَدَيْهِ كَأَنَّهُ بَينهم غُلَام وَاحِد مِنْهُم وَعَلِيهِ من المهابة مَا لَا يعبر عَنهُ
وَكنت مَعَ ذَلِك أرَاهُ أَيَّام المواكب السُّلْطَانِيَّة يلبس الطيلسان مواظبا عَلَيْهِ وَكنت أعجب لِأَن طبعه لَا يَقْتَضِي الاكتراث بِهَذِهِ الْأُمُور فتجاسرت عَلَيْهِ وَسَأَلته فَقلت لَهُ أَنْت تقعد وتحكم وَعَلَيْك ثِيَاب مَا تَسَاوِي عشْرين درهما وأراك تحرص على لبس الطيلسان يَوْم الموكب
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute