قلت يرحم الله أَبَا يَعْقُوب لقد قَامَ مقَام الصديقين
قَالَ الساجى كَانَ البويطى وَهُوَ فى الْحَبْس يغْتَسل كل جُمُعَة ويتطيب وَيغسل ثِيَابه ثمَّ يخرج إِلَى بَاب السجْن إِذا سمع النداء فَيردهُ السجان وَيَقُول ارْجع رَحِمك الله فَيَقُول البويطى اللَّهُمَّ إنى أجبْت داعيك فمنعونى
وَقَالَ أَبُو عَمْرو المستملى حَضَرنَا مجْلِس مُحَمَّد بن يحيى الذهلى فَقَرَأَ علينا كتاب البويطى إِلَيْهِ وَإِذا فِيهِ والذى أَسأَلك أَن تعرض حالى على إِخْوَاننَا أهل الحَدِيث لَعَلَّ الله يخلصنى بدعائهم فإنى فى الْحَدِيد وَقد عجزت عَن أَدَاء الْفَرَائِض من الطَّهَارَة وَالصَّلَاة فَضَجَّ النَّاس بالبكاء وَالدُّعَاء لَهُ
قلت انْظُر إِلَى هَذَا الحبر رَحمَه الله لم يكن أسفه إِلَّا على أَدَاء الْفَرَائِض وَلم يتأثر بالقيد وَلَا بالسجن فرضى الله عَنهُ وجزاه عَن صبره خيرا
وَمَا كَانَ أَبُو يَعْقُوب ليَمُوت إِلَّا فى الْحَدِيد كَيفَ وَقد قَالَ الرّبيع كنت عِنْد الشافعى أَنا والمزنى وَأَبُو يَعْقُوب فَقَالَ لى أَنْت تَمُوت فى الحَدِيث وَقَالَ لأبى يَعْقُوب أَنْت تَمُوت فى الْحَدِيد وَقَالَ للمزنى هَذَا لَو ناظره الشَّيْطَان لقطعه
قَالَ الرّبيع فَدخلت على البويطى أَيَّام المحنة فرأيته مُقَيّدا إِلَى أَنْصَاف سَاقيه مغلولة يَدَاهُ إِلَى عُنُقه
وَقَالَ الرّبيع أَيْضا كتب إِلَى البويطى أَن اصبر نَفسك للغرباء وَحسن خلقك لأهل حلقتك فإنى لم أزل أسمع الشافعى رَحمَه الله يكثر أَن يتَمَثَّل بِهَذَا الْبَيْت
(أهين لَهُم نفسى لكى يكرمونها ... وَلنْ تكرم النَّفس الَّتِى لَا تهينها)
مَاتَ البويطى فى شهر رَجَب سنة إِحْدَى وَثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ فى سجن بَغْدَاد فى الْقَيْد والغل
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute