وَذكر الْحَاكِم أَبُو عبد الله أَن أَبَا بكر أَحْمد بن إِسْحَاق الصبغى أخبرهُ قَالَ سَمِعت إِسْمَاعِيل بن إِسْحَاق السراج يَقُول قَالَ لى أَحْمد بن حَنْبَل بلغنى أَن الْحَارِث هَذَا يكثر الْكَوْن عنْدك فَلَو أحضرته مَنْزِلك وأجلستنى من حَيْثُ لَا يرانى فَأَسْمع كَلَامه فقصدت الْحَارِث وَسَأَلته أَن يحضرنا تِلْكَ اللَّيْلَة وَأَن يحضر أَصْحَابه فَقَالَ فيهم كَثْرَة فَلَا تزدهم على الْكسْب وَالتَّمْر فَأتيت أَبَا عبد الله فأعلمته فَحَضَرَ إِلَى غرفَة واجتهد فى ورده وَحضر الْحَارِث وَأَصْحَابه فَأَكَلُوا ثمَّ صلوا الْعَتَمَة وَلم يصلوا بعْدهَا وقعدوا بَين يدى الْحَارِث لَا ينطقون إِلَى قريب نصف اللَّيْل ثمَّ ابْتَدَأَ رجل مِنْهُم فَسَأَلَ عَن مَسْأَلَة فَأخذ الْحَارِث فى الْكَلَام وَأَصْحَابه يَسْتَمِعُون كَأَن على رؤوسهم الطير فَمنهمْ من يبكى وَمِنْهُم من يحن وَمِنْهُم من يزعق وَهُوَ فى كَلَامه فَصَعدت الغرفة لأتعرف حَال أَبى عبد الله فَوَجَدته قد بَكَى حَتَّى غشى عَلَيْهِ فَانْصَرَفت إِلَيْهِم وَلم تزل تِلْكَ حَالهم حَتَّى أَصْبحُوا وذهبوا فَصَعدت إِلَى أَبى عبد الله فَقَالَ مَا أعلم أَنى رَأَيْت مثل هَؤُلَاءِ الْقَوْم وَلَا سَمِعت فى علم الْحَقَائِق مثل كَلَام هَذَا الرجل وَمَعَ هَذَا فَلَا أرى لَك صحبتهم ثمَّ قَامَ وَخرج وفى رِوَايَة أُخْرَى أَن أَحْمد قَالَ لَا أنكر من هَذَا شَيْئا
قلت تَأمل هَذِه الْحِكَايَة بِعَين البصيرة وَاعْلَم أَن أَحْمد بن حَنْبَل إِنَّمَا لم ير لهَذَا الرجل صحبتهم لقصوره عَن مقامهم فَإِنَّهُم فى مقَام ضيق لَا يسلكه كل أحد فيخاف على سالكه وَإِلَّا فَأَحْمَد قد بَكَى وشكر الْحَارِث هَذَا الشُّكْر وَلكُل رأى واجتهاد حشرنا الله مَعَهم أَجْمَعِينَ فى زمرة سيد الْمُرْسلين صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وعَلى آله وَأَصْحَابه وَسلم