مُحَمَّد بن جرير قلت لَا قَالَ وَلم قلت لِأَنَّهُ كَانَ لَا يظْهر وَكَانَت الْحَنَابِلَة تمنع من الدُّخُول عَلَيْهِ فَقَالَ بئس مَا فعلت ليتك لم تكْتب عَن كل من كتبت عَنْهُم وَسمعت مِنْهُ
قلت لم يكن عدم ظُهُوره ناشئا من أَنه منع وَلَا كَانَت للحنابلة شَوْكَة تقتضى ذَلِك وَكَانَ مِقْدَار ابْن جرير أرفع من أَن يقدروا على مَنعه وَإِنَّمَا ابْن جرير نَفسه كَانَ قد جمع نَفسه عَن مثل الأراذل المتعرضين إِلَى عرضه فَلم يكن يَأْذَن فى الِاجْتِمَاع بِهِ إِلَّا لمن يختاره وَيعرف أَنه على السّنة وَكَانَ الْوَارِد من الْبِلَاد مثل حسينك وَغَيره لَا يدرى حَقِيقَة حَاله فَرُبمَا أصغى إِلَى كَلَام من يتَكَلَّم فِيهِ لجهله بأَمْره فَامْتنعَ عَن الِاجْتِمَاع بِهِ
وَمِمَّا يدلك على أَنه لم يمْنَع قَول ابْن خُزَيْمَة لحسينك ليتك سَمِعت مِنْهُ فَإِن فِيهِ دلَالَة أَن سَمَاعه مِنْهُ كَانَ مُمكنا وَلَو كَانَ مَمْنُوعًا لم يقل لَهُ ذَلِك وَهَذَا أوضح من أَن ننبه عَلَيْهِ وَأمر الْحَنَابِلَة فى ذَلِك الْعَصْر كَانَ أقل من ذَلِك
قَالَ الفرغانى كَانَ مُحَمَّد بن جرير مِمَّن لَا تَأْخُذهُ فى الله لومة لائم مَعَ عَظِيم مَا يلْحقهُ من الْأَذَى والشناعات من جَاهِل وحاسد وملحد فَأَما أهل الْعلم وَالدّين فَغير منكرين علمه وزهده فى الدُّنْيَا ورفضه لَهَا وقناعته بِمَا كَانَ يرد عَلَيْهِ من حِصَّة خلفهَا لَهُ أَبوهُ بطبرستان يسيرَة وَلما تقلد الخاقانى الوزارة وَجه إِلَيْهِ بِمَال كثير فَأبى أَن يقبله فَعرض عَلَيْهِ الْقَضَاء فَامْتنعَ فَعَاتَبَهُ أَصْحَابه وَقَالُوا لَهُ لَك فى هَذَا ثَوَاب وتحيى سنة قد درست وطمعوا فى أَن يقبل ولَايَة الْمَظَالِم فانتهرهم وَقَالَ قد كنت أَظن أَنى لَو رغبت فى ذَلِك لنهيتمونى عَنهُ
وَقَالَ الفرغانى رَحل ابْن جرير من مَدِينَة آمل لما ترعرع وسمح لَهُ أَبوهُ بِالسَّفرِ وَكَانَ طول حَيَاته ينفذ إِلَيْهِ بالشئ بعد الشئ إِلَى الْبلدَانِ فَسَمعته يَقُول أَبْطَأت عَنى نَفَقَة والدى واضطررت إِلَى أَن فتقت كمى الْقَمِيص فبعتهما