لَهُ من الله على الْأَخْذ فى طَرِيق التَّوَكُّل وَطرح الْأَسْبَاب وَهَذَا يَقع كثيرا لأرباب العنايات من الله تَعَالَى فى أثْنَاء المجاهدات يقيض الله تَعَالَى لَهُم منبها من صَوت يسمع أَو إِشَارَة تحس أَو أنحاء ذَلِك يدلهم على مُرَاد الله تَعَالَى مِنْهُم أَو غير ذَلِك عناية بهم فقيض الله تَعَالَى هَذَا الظبى منبها لَهُ ثمَّ أكده بِكَلَام الْجُنَيْد لَهُ آخرا عِنْد عوده من الْحَج
وَكَذَلِكَ أَقُول فى الْحِكَايَة قبلهَا إِن ذَاك الشَّاب قد يكون قدره الله تَعَالَى ذَلِك الْوَقْت اعتناء بِابْن خَفِيف ورفيقيه لِئَلَّا تعظم أنفسهم عَلَيْهِ فَأحب الله تَعَالَى أَن يعرفهُمْ أَن فى عباده شَابًّا وصل إِلَى مَا لم يصلوا إِلَيْهِ وَهُوَ رَآهُمْ على طَرِيق الْعَامَّة وَهَذَا من الْعِنَايَة بهم
وَكَذَا أَقُول فى الْحِكَايَة الَّتِى قدمتها فى تَرْجَمَة الْجُنَيْد فى شَأْنه مَعَ تِلْكَ الْمَرْأَة الَّتِى أنشدته
(لَوْلَا التقى لم ترنى ... أَهجر طيب الوسن)
وَحكى أَن أَبَا عبد الله بن خَفِيف نَاظر بعض البراهمة فَقَالَ لَهُ البرهمى إِن كَانَ دينك حَقًا فتعال أَصْبِر أَنا وَأَنت عَن الطَّعَام أَرْبَعِينَ يَوْمًا فَأَجَابَهُ ابْن خَفِيف فعجز البرهمى عَن إِكْمَال الْمدَّة الْمَذْكُورَة وأكملها ابْن خَفِيف وَهُوَ طيب مسرور
وَأَن برهميا آخر ناظره ثمَّ دَعَاهُ إِلَى الْمكْث مَعَه تَحت المَاء مُدَّة فَمَاتَ البرهمى قبل انْتِهَاء الْمدَّة وصبر الشَّيْخ إِلَى أَن انْتَهَت وَخرج سالما لم يظْهر عَلَيْهِ تغير
وَعَن ابْن خَفِيف خرجت من مصر أُرِيد الرملة للقاء أَبى على الروذبارى فَقَالَ لى عِيسَى بن يُوسُف المصرى المغربى الزَّاهِد إِن شَابًّا وكهلا قد اجْتمعَا على حَال المراقبة فَلَو نظرت إِلَيْهِمَا لَعَلَّك تستفيد مِنْهُمَا فَدخلت إِلَى صور وَأَنا جَائِع عطشان وفى وسطى خرقَة وَلَيْسَ على كتفى شئ فَدخلت الْمَسْجِد فَإِذا اثْنَان مُسْتَقْبلا الْقبْلَة