قَالَ الْأَولونَ وَهَذَا لَا يَصح لِأَنَّهُ يجوز أَن يكون صَادِقا فى الْقَذْف فَيصير بكذبه عَاصِيا كَمَا كَانَ بقذفه عَاصِيا
وَقَالَ بَعضهم هُوَ أَن يَقُول مَا كنت محقا فى الْقَذْف وَلَا أَعُود إِلَيْهِ وَكَلَام الشافعى رَحمَه الله مَحْمُول على تَكْذِيب نَفسه فى قَوْله أَنا محق فى إِظْهَاره والمجاهرة بِغَيْر حجَّة انْتهى
وَقَوله الْقَذْف بَاطِل حرَام ذكره لفظ حرَام مَعَ بَاطِل تبع فِيهِ من قدمنَا ذكره إِيَّاهَا وهى لَفْظَة مَحْمُولَة على التَّوَسُّع فى الْعبارَة وَإِلَّا فَكل قذف خرج مخرج الشتم فَهُوَ حرَام وَإِن خرج مخرج الشَّهَادَة وَلم يتم الْعدَد وَقد كَانَ يحسبه تمّ فَلَيْسَ بِحرَام فَمَا للفظة موقع
فَإِن قلت مَا الذى اسْتَقر عَلَيْهِ رَأْيكُمْ فى صِيغَة تَوْبَة الْقَاذِف أيترجح عنْدك قَول أَبى سعيد أم قَول الْجُمْهُور
قلت إِن كَانَ الْقَاذِف يعلم أَنه كَاذِب فالأرجح عندى قَول أَبى سعيد لِأَن مدَار التَّوْبَة على نَحْو مَا مضى مَا أمكن وتدارك مَا يُمكن تَدَارُكه وَلَا يتدارك ثلبه عرض أَخِيه ونيله مِنْهُ إِلَّا بذلك فَهُوَ نَظِير وَفَاء الدّين ورد الظلامة وَلَا يغنى عَن لفظ الْكَذِب لفظ ممجمج لَيْسَ بِصَرِيح فى مَعْنَاهُ بل من نَالَ من أَخِيه قذفا وَهُوَ يعلم أَنه برِئ فتوبته بِأَن يبين للنَّاس أَنه برِئ وَلَا يبين ذَلِك إِلَّا بتسجيله على نَفسه بِصَرِيح الْكَذِب والبهت وَإِن علم أَنه صَادِق أَو شكّ فَالْمَسْأَلَة مُحْتَملَة يحْتَمل أَن يَكْفِيهِ قذفى بَاطِل كَمَا قَالَه الْجُمْهُور وَيدل لَهُ نَص الشافعى دلَالَة وَاضِحَة على رِوَايَة من روى فى لفظ النَّص بِأَنَّهُ أذْنب بِأَن نطق بِالْقَذْفِ إِلَى آخِره فَكَأَن الشافعى رَحمَه الله فسر إكذابه نَفسه بِهَذَا وَيحْتَمل أَن يشْتَرط لفظ الْكَذِب ليجبر مَا كَانَ مِنْهُ وَمَا ذَكرُوهُ من أَنه قد يكون صَادِقا قد قدمنَا جَوَابه وَهُوَ أَن الصدْق هُنَا لَيْسَ مُطَابقَة مَا فى نفس الْأَمر بل كل قَاذف