وهذه العلة تود في القدر المسكر، لافيما دون ذلك، فوجب أن يكون ذلك القدر هو احرام، إلا ما انعقد عليه الاجماع من تحريم قليل الخمر وكثيرها.
قالوا: وهذا النوع من القياس يلحق بالنص.
وهو القياس الذي ينبه الشرع على العلة فيه.
وقال المتأخرون من أهل النظر: حجة الحجازيين من طريق السمع أقوى وحجة العراقيين من طريق القياس أظهر.
وإذا كان هذا كما قالوا فيرجع الخلاف إلى اختلافهم في تغليب الاثر على القياس، أو تغليب القياس على الاثر إذا تعارضا، وهي مسألة مختلف فيها.
لكن الحق أن الاثر إذا كان نصا ثابتا، فالواجب أن يغلب على القياس.
وأما إذا كان ظاهر اللفظ محتملا للتأويل، فهنا يتردد النظر: هل يجمع بينهما بأن يتأول اللفظ؟ أو يغلب ظاهر اللفظ على مقتضى القياس؟ وذلك مختلف بحسب قوة لفظ من الالفاظ الظاهرة وقوة قياس من القياسات التي تقابلها.
ولا يدرك الفرق بينهما إلا بالذوق العقلي، كما يدرك الموزون من الكلام من غير الموزون.
وربما كان الذوقان على التساوي ... ولذلك كثر الاختلاف في هذا النوع، حتى قال كثير من الناس:" كل مجتهد مصيب ".
قال القاضي: والذي يظهر لي - والله أعلم - أن قوله عليه الصلاة والسلام " كل مسكر حرام " وإن كان يحتمل أن يراد به القدر المسكر لا الجنس المسكر، فإن ظهوره في تعليق التحريم بالجنس أغلب على الظن من تعليقه بالقدر، لمكان معارضة ذلك القياس له على ما تأوله الكوفيون، فإنه لا يبعد أن يحرم الشارع قليل المسكر وكثيره سدا للذريعة وتغليظا، مع أن الضرر إنما يوجد في الكثير.
وقد ثبت من حال الشرع بالاجماع أنه اعتبر في الخمر الجنس دون القدر، فوجب كل ما وجدت فيه علة الخمر أن يلحق بالخمر، وأن يكون على من زعم وجود الفرق إقامة الدليل على ذلك.