فإن الصيام من دين الاسلام، الذي يحتاج إلى معرفته الخاص، والعام.
فلو كانت هذه الامور مما حرمها الله ورسوله في الصيام، ويفسد الصوم بها، لكان هذا مما يجب على الرسول بيانه، ولو ذكر ذلك لعلمه الصحابة، وبلغوه الامة، كما بلغوا سائر شرعه.
فلما لم ينقل أحد من أهل العلم، عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك، لا حديثا صحيحا، ولا ضعيفا، ولا مسندا، ولا مرسلا علم أنه لم ينكر شيئا من ذلك.
قال: فإذا كانت الاحكام التي تعم بها البلوى، لابد ان يبينها الرسول صلى الله عليه وسلم بيانا عاما، ولابد أن تنقل الامة ذلك.
فمعلوم أن الكحل، ونحوه لمما تعم به البلوى، كماتعم بالدهن، والاغتسال، والبخور، والطيب.
فلو كان هذا مما يفطر، لبينه النبي صلى الله عليه وسلم، كما بين الافطار بغيره، فلما لم يبين ذلك، علم أنه من جنس الطيب، والبخور، والدهن.
والبخور قد يتصاعد إلى الانف ويدخل في الدماغ، وينعقد أجساما.
والدهن يشربه البدن، ويدخل إلى داخله ويتقوى به الانسان، وكذلك يتقوى بالطيب قوة جيدة.
فلما لم ينه الصائم عن ذلك دل على جواز تطيبه، وتبخره، وادهانه، وكذلك اكتحاله.
وقد كان المسلمون في عهده صلى الله عليه وسلم يجرح أحدهم، إما في الجهاد، وإما في غيره، مأمومة، وجائفة، فلو كان هذا يفطر، لبين لهم ذلك.
فلما لم ينه الصائم عن ذلك، علم أنه لم يجعله مفطرا.
ثم قال: فإن الكحل لا يغذي البتة، ولا يدخل أحد كحلا إلى جوفه، لامن أنفه، ولا من فمه.
وكذلك الحقنة (١) لاتغذي، بل تستفرغ ما في البدن، كما لوشم شيئا من
(١) يقصد الحقنة الشرجية، فإنها لا تفطر الصائم.