للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مع القسم الطيب " يعني الارواح الطيبة المشاكلة لروحه " فالروح بعد المفارقة تلحق بأشكالها وإخوانها وأصحاب عملها فتكون معهم هناك.

ومنها أرواح تكون في تنور الزناة والزواني، وأرواح في نهر الدم، تسبح فيه، وتلقم الحجارة، فليس للارواح - سعيدها وشقيها - مستقر واحد، بل روح في أعلى عليين، وروح أرضية سفلية لا تصعد عن الارض.

وأنت إذا تأملت السنن والاثار في هذا الباب، وكان لك بها فضل اعتناء عرفت حجة ذلك.

ولا تظن أن بين الاثار الصحيحة في هذا الباب تعارضا، فإنها كلها حق يصدق بعضها بعضا، لكن الشأن في فهمها ومعرفة النفس وأحكامها وأن لها شأنا غير شأن البدن، وأنها مع كونها في الجنة فهي في السماء وتتصل بفناء القبر وبالبدن فيه، وهي أسرع شئ حركة وانتقالا وصعودا وهبوطا، وأنها تنقسم إلى مرسلة ومحبوسة وعلوية وسفلية، ولها بعد المفارقة صحة ومرض، ولذة ونعيم وألم أعظم مما كان لها حال اتصالها بالبدن بكثير، فهنالك الحبس والالم والعذاب والمرض والحسرة، وهنالك اللذة والراحة والنعيم والانطلاق، وما أشبه حالها في هذا البدن بحال البدن في بطن أمه! وحالتها بعد المفارقة بحاله بعد خروجه من البطن إلى هذه الدار، فلهذه الانفس أربع دور، كل دار أعظم من التي قبلها.

الدار الاولى: في بطن الام، وذلك الحصر والضيق والغم والظلمات الثلاث.

والدار الثانية: هي الدار التي نشأت فيها وألفتها واكتسبت فيها الخير والشر وأسباب السعادة والشقاوة.

والدار الثالثة: دار البرزخ، وهي أوسع من هذه الدار وأعظم، بل نسبتها إليها كنسبة هذه الدار إلى الاولى.

والدار الرابعة: دار القرار وهي الجنة والنار فلا دار بعدهما.

والله ينقلها في هذه الدور طبقا بعد طبق حتى يبلغها الدار التي لا يصلح لها غيرها ولا يليق بها سواها وهي التي خلقت لها وهيئت للعمل الموصل لها إليها.

<<  <  ج: ص:  >  >>