للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شيئا (١) ثم ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أتى الموقف فجعل بطن ناقته القصواء إلى الصخرات، وجعل جبل المشاة (٢) بين يديه واستقبل القبلة.

فلم يزل واقفا حتى غربت الشمس، وذهبت الصفرة قليلا حتى غاب القرص، وأردف أسامة خلفه.

ودفع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد شنق (٣) للقصواء الزمام حتى إن رأسها ليصيب مورك رجله (٤) ويقول بيده اليمنى (٥) : " أيها الناس، السكينة السكينة " كلما أتى جبلا من الجبال أرخى لها قليلا حتى تصعد، حتى أتى المزدلفة فصلى بها المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين، ولم يسبح بينهما شيئا. ثم اضطجع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى طلع الفجر وصلى الفجر حين تبين له الصبح بأذان وإقامة.

ثم ركب القصواء، حتى أتى الشعر الحرام فاستقبل القبلة فدعاه وكبره وهلله ووحده، فلم يزل واقفا حتى أسفر جدا.

فدفع قبل أن تطلع الشمس، وأردف الفضل بن عباس وكان رجلا حسن الشعر أبيض وسيما (٦) فلما دفع رسول الله صلى الله عليه وسلم مرت به ظعن (٧) يجرين فطفق الفضل ينظر إليهن، فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده على وجه الفضل فحول الفضل وجهه إلى الشق الآخر ينظر، فحول رسول الله صلى الله عليه وسلم يده من الشق الآخر على وجه الفضل، يصرف وجهه من الشق الآخر ينظر، حتى أتى بطن محسر. فحرك قليلا، ثم سلك الطريق


(١) " فصلى الظهر ثم قام فصلى العصر ولم يصل بينهما الخ ": فيه دليل على أنه يشرع الجمع بين الظهر والعصر هناك في ذلك اليوم، وقد أجمعت الامة عليه، واختلفوا في سببه: فقيل: بسبب النسك وهو مذهب أبي حنيفة وبعض أصحاب الشافعي، وقال أكثر أصحاب الشافعي: هو بسبب السفر.
(٢) " جبل المشاة " أي مجتمعهم.
(٣) " شنق " أي ضم وضيق.
(٤) " المورك " الموضع الذي يثني الراكب رجله عليه. قدام واسطة الرحل، إذا مل من الركوب.
(٥) " يقول بيده " أي يشير بها قائلا: الزموا السكينة. وهي الرفق والطمأنينة.
(٦) " وسيما " أي جميلا.
(٧) " الظعن " جمع ظعينة - وهي البعير الذي عليه امرأة، ثم سميت به المرأة مجازا لملابسها البعير.

<<  <  ج: ص:  >  >>