للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جديدة، يستلها من قلبها، والطفل لا يحب أحدا في الدنيا قبل أمه.

ثم انه يحب أباه، ولكن دون حبه لامه، وان كان يحترمه أشد مما يحترمها.

أفليس من الجنابة على الفطرة أن يزاحم هذا الحب العظيم بين الوالدين والاولاد حب استمتاع الشهوة - فيزحمه ويفسده - وهو خير ما في هذه الحياة!!

بلى: ولاجل هذا كان تحريم نكاح الامهات هو الاشد المقدم في الآية، ويليه تحريم البنات.

ولولا ما عهد في الانسان من الجناية على الفطرة والعبث بها والافساد فيها، لكان لسليم الفطرة أن يتعجب من تحريم الامهات والبنات، لان فطرته تشعر أن النزوع الى ذلك من قبيل المستحيلات.

وأما الاخوة والاخوات، فالصلة بينهما تشبه الصلة بين الوالدين والاولاد من حيث أنهم كأعضاء الجسم الواحد، يفان الاخ والاخت من أصل واحد يستويان في النسة إليه من غير تفاوت بينهما.

ثم انهما ينشآن في حجر واحد، على طريقة واحدة في الغالب، وعاطفة الاخوة بينهما متكافئة، ليست أقوى في إحداهما منها في الاخرى، كقوة عاطفة الامومة والابوة على عاطفة البنوة.

فلهذه الاسباب يكون أنس أحدهما بالآخر أنس مساواة لا يضاهيه أنس لآخر.

إذ لا يوجد بين البشر صلة أخرى فيها هذا النوع من المساواة الكاملة، وعواطف الود والثقة المتبادلة.

ويحكى أن امرأة شفعت عند الحجاج في زوجها وابنها وأخيها، وكان يريد قتلهم، وفشفعها في واحد مبهم منهم، وأمرها أن تختار من يبقى، فاختارت أخاها، فسألها عن سبب ذلك فقالت: " ان الاخ لاعوض عنه، وقد مات الوالدان، وأما الزوج والولد فيمكن الاعتياض عنهما بمثلهما ".

فأعجبه هذا الجواب وعفا عن الثلاثة.

وقال: " لو اختارت الزوجة غير الاخ لما أبقيت لها أحدا ".

وجملة القول: إن صلة الاخوة صلة فطرية قوية، وأن الاخوة والاخوات

<<  <  ج: ص:  >  >>