لم تجعل الشريعة حدا لقلته، ولا لكثرته، إذ الناس يختلفون في الغنى والفقر، ويتفاوتون في السعة والضيق، ولكل جهة عاداتها وتقاليدها، فتركت التحديد ليعطي كل واحد على قدر طاقته، وحسب حالته، وعادات عشيرته، وكل النصوص جاءت تشير إلى أن المهر لا يشترط فيه إلا أن يكون شيئا له قيمة، بقطع النظر عن القلة والكثرة، فيجوز أن يكون خاتما من حديد، أو قدحا من تمر أو تعليما لكتاب الله، وما شابه ذلك، إذا تراضى عليه المتعاقدان.
١ - فعن عامر بن ربيعة أن امرأة من بني فزارة تزوجت على نعلين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" أرضيت عن نفسك ومالك بنعلين؟ فقالت: نعم. فأجازه ".
رواه أحمد، وابن ماجه، والترمذي، وصححه.
٢ - وعن سهل بن سعد أن النبي صلى الله عليه وسلم جاءته امرأة فقالت: يارسول الله إني وهبت نفسي لك، فقامت قياما طويلا، فقام رجل، فقال: يارسول الله زوجنيها إن لم يكن لك بها حاجة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل عندك من شئ تصدقها إياه؟ فقال: ما عندي إلا إزاري هذا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن أعطيتها إزارك جلست لا إزار لك، فالتمس شيئا، فقال: ما أجد شيئا، فقال: التمس ولو خاتما من حديد، فالتمس فلم يجد شيئا، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: هل معك من القرآن شئ؟ قال: نعم، سورة كذا، وسورة كذا، لسور يسميها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: قد زوجتكها بما معك من القرآن.
رواه البخاري ومسلم.
وقد جاء في بعض الروايات الصحيحة:" علمها من القرآن ".
وفي رواية أبي هريرة: أنه قدر ذلك بعشرين آية.
٣ - وعن أنس: أن أبا طلحة خطب أم سليم، فقالت:" والله ما مثلك يرد، ولكنك كافر وأنا مسلمة، ولا يحل لي أن أتزوجك، فإن تسلم فذلك مهري، ولا أسألك غيره.
فكان ذلك مهرها ".
فدلت هذه الاحاديث على جواز جعل المهر شيئا قليلا، وعلى جواز جعل المنفعة مهرا.