وقد قدر الاحناف أقل المهر بعشرة دراهم، كما قدره المالكية بثلاثة.
وهذا التقدير لا يستند إلى دليل يعول عليه، ولا حجة يعتد بها.
قال الحافظ: وقد وردت أحاديث في أقل الصداق لا يثبت منها شئ، وقال ابن القيم - تعليقا على ما تقدم من الاحاديث - وهذا هو الذي اختارته أم سليم من انتفاعها بإسلام أبي طلحة وبذل نفسها له إن أسلم.
وهذا أحب إليها من المال الذي يبذله الزوج، فإن الصداق شرع في الاصل حقا للمرأة تنتفع به، فإذا رضيت بالعلم والدين، وإسلام الزوج، وقراءته القرآن - كان هذا من أفضل المهور، وأنفعها، وأجلها.
فما خلا العقد عن مهر وأين الحكم بتقدير المهر بثلاثة دراهم، أو عشرة من النص، والقياس، إلى الحكم بصحة كون المهر ما ذكرنا نصا وقياسا.
وليس هذا مستويا بين هذه المرأة وبين الموهوبة التي وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم، وهي خالصة له من دون المؤمنين، فإن تلك وهبت نفسها هبة مجردة من ولي وصداق، بخلاف ما نحن فيه فإنه نكاح بولي وصداق، وإن كان غير مالي.
فإن المرأة جعلته عوضا عن المال، لما يرجع إليها من منفعة.
ولم تهب نفسها للزوج هبة مجردة، كهبة شئ من مالها بخلاف الموهوبة التي خص الله بها رسوله صلى الله عليه وسلم.
هذا مقتضى هذه الاحاديث.
وقد خالف في بعضه من قال: لا يكون الصداق إلا مالا، ولا يكون منافع أخر، ولا علمه ولا تعليمه صداقا كقول أبي حنيفة، وأحمد رحمهما الله في رواية عنه.
ومن قال: لا يكون أقل من ثلاثة دراهم كمالك رحمه الله وعشرة دراهم كأبي حنيفة رحمه الله.
وفيه أقوال أخرى شاذة لا دليل عليها من كتاب ولا سنة، ولا إجماع، ولا قياس، ولا قول صاحب.
ومن ادعى في هذه الاحاديث التي ذكرناها، اختصاصها بالنبي صلى الله عليه وسلم وأنها منسوخة، أو أن عمل أهل المدينة على خلافها فدعوى لا يقوم عليها دليل. والاصل بردها.
وقد زوج سيد أهل المدينة من التابعين - سعيد بن المسيب - ابنته على درهمين ولم ينكر عليه أحد، بل عد ذلك