للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سَلَّمْنَا دَلَالَتَهَا عَلَى الْإِيجَابِ، لَكِنْ لَا أَنَّهَا بِالتَّخْيِيرِ لِكُلِّ وَاحِدٍ وَاحِدٍ مِنَ الْأُمَّةِ، بَلِ الْمُرَادُ بِهَا إِيجَابُ الْإِطْعَامِ عَلَى الْبَعْضِ وَالْكُسْوَةِ عَلَى الْبَعْضِ وَالْعِتْقِ عَلَى الْبَعْضِ، فَكَأَنَّهُ قَالَ: فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ لِبَعْضِهِمْ، أَوِ الْكُسْوَةُ لِبَعْضٍ آخَرَ، أَوِ الْعِتْقُ لِبَعْضٍ آخَرَ. سَلَّمْنَا دَلَالَةَ مَا ذَكَرْتُمُوهُ لَكِنَّهُ مُعَارَضٌ بِمَا يَدُلُّ عَلَى إِبْطَالِ مَدْلُولِهِ، وَبَيَانُهُ مِنْ أَحَدَ عَشَرَ وَجْهًا:

الْأَوَّلُ: أَنَّ الْخِصَالَ الْمَذْكُورَةَ إِمَّا أَنْ تَكُونَ مُسْتَوِيَةً فِيمَا يَرْجِعُ إِلَى الصِّفَاتِ الْمُقْتَضِيَةِ لِلْوُجُوبِ، أَوْ أَنَّهَا مُخْتَصَّةٌ بِالْبَعْضِ دُونَ الْبَعْضِ.

فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلَ، فَيَلْزَمُ التَّسْوِيَةُ فِي الْوُجُوبِ بَيْنَ الْكُلِّ.

وَإِنْ كَانَ الثَّانِيَ، كَانَ ذَلِكَ الْبَعْضُ هُوَ الْوَاجِبَ بِعَيْنِهِ دُونَ غَيْرِهِ.

الثَّانِي: أَنَّ الْوَاجِبَ مَا تَعَلَّقَ بِهِ الشَّرْعُ بِالْإِيجَابِ، وَخِطَابُ الشَّرْعِ إِنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِالْمُعَيَّنِ دُونَ الْمُبْهَمِ، وَلِهَذَا فَإِنَّهُ يَمْتَنِعُ تَعَلُّقُ الْإِيجَابِ بِأَحَدِ شَخْصَيْنِ لَا بِعَيْنِهِ، فَكَذَلِكَ بِفِعْلِ أَحَدِ أَمْرَيْنِ لَا بِعَيْنِهِ، وَعِنْدَ ذَلِكَ فَيَلْزَمُ تَعَلُّقُهُ بِالْكُلِّ أَوْ بِبَعْضٍ مِنْهُ مُعَيَّنٍ.

الثَّالِثُ: أَنَّ الْإِيجَابَ طَلَبٌ، وَالطَّلَبُ يَسْتَدْعِي مَطْلُوبًا مُعَيَّنًا لِمَا تَحَقَّقَ قَبْلُ، وَالْمُعَيَّنُ إِمَّا الْكُلُّ أَوِ الْبَعْضُ.

الرَّابِع: أَنَّهُ لَوْ فَعَلَ الْعَبْدُ الْجَمِيعَ، فَإِنَّهُ يُثَابُ ثَوَابَ مَنْ فَعَلَ وَاجِبًا، فَسَبَبُهُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مَقْدُورًا لِلْمُكَلَّفِ مُعَيَّنًا لِاسْتِحَالَةِ الثَّوَابِ عَلَى مَا لَا يَكُونُ مِنْ فِعْلِ الْعَبْدِ وَاسْتِحَالَةِ إِسْنَادِ الْمُعَيَّنِ إِلَى غَيْرِ مُعَيَّنِ، وَالْمُبْهَمُ لَيْسَ كَذَلِكَ فَلَزِمَ أَنْ يَكُونَ الثَّوَابُ عَلَى الْجُمْلَةِ أَوْ بَعْضٍ مُعَيَّنٍ مِنْهَا.

الْخَامِسُ: أَنَّهُ لَوْ تَرَكَ الْجَمِيعَ فَإِنَّهُ يُعَاقَبُ عِقَابَ مَنْ تَرَكَ وَاجِبًا مِنْهَا، وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْجَمِيعَ وَاجِبٌ أَوْ بَعْضٌ مِنْهُ مُعَيَّنٌ كَمَا سَبَقَ.

السَّادِسُ: أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْوَاجِبُ وَاحِدًا لَا بِعَيْنِهِ مِنَ الْخِصَالِ ; لَكَانَ مِنْهَا شَيْءٌ لَا بِعَيْنِهِ غَيْرَ وَاجِبٍ، وَالتَّخْيِيرُ بَيْنَ الْوَاجِبِ وَمَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ مُحَالٌ لِمَا فِيهِ مِنْ رَفْعِ حَقِيقَةِ الْوَاجِبِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>