السَّابِعُ: أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْوَاجِبُ وَاحِدًا لَا بِعَيْنِهِ، فَعِنْدَ التَّكْفِيرِ بِالْجَمِيعِ إِمَّا أَنْ يَسْقُطَ الْفَرْضُ بِمَجْمُوعِهَا، أَوْ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا، أَوْ بِوَاحِدٍ مِنْهَا، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلَ أَوِ الثَّانِيَ فَالْكُلُّ وَاجِبٌ، وَإِنْ كَانَ الثَّالِثَ فَذَلِكَ هُوَ الْفَرْضُ.
الثَّامِنُ، وَيَخُصُّ إِيجَابَ الْجَمِيعِ: أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْوَاجِبُ وَاحِدًا لَنَصَبَ اللَّهُ عَلَيْهِ دَلِيلًا وَلَمْ يَكِلْهُ إِلَى تَعْيِينِ الْعَبْدِ لِعَدَمِ مَعْرِفَتِهِ بِمَا فِيهِ الْمَصْلَحَةُ، كَمَا (١) فِي سَائِرِ الْوَاجِبَاتِ. فَحَيْثُ لَمْ يُعَيَّنْ دَلَّ عَلَى أَنَّ الْكُلَّ وَاجِبٌ.
التَّاسِعُ: أَنَّهُ إِذَا كَانَ الْوَاجِبُ وَاحِدًا لَا بِعَيْنِهِ وَيَتَعَيَّنُ بِفِعْلِ الْمُكَلَّفِ، فَالْبَارِي تَعَالَى يَعْلَمُ مَا سَيُعَيِّنُهُ الْعَبْدُ فَيَكُونُ الْوَاجِبُ مُعَيَّنًا عِنْدَ اللَّهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُعَيَّنًا عِنْدَ الْعَبْدِ قَبْلَ الْفِعْلِ، وَيَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ التَّخْيِيرِ بَيْنَ الْوَاجِبِ الْمُعَيِّنِ وَبَيْنَ مَا لَيْسَ وَاجِبًا، وَهُوَ مُحَالٌ، فَثَبَتَ أَنَّ الْجَمِيعَ وَاجِبٌ.
الْعَاشِرُ: أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْوَاجِبُ وَاحِدًا لَا بِعَيْنِهِ فَكَفَّرَ ثَلَاثَةٌ كُلُّ وَاحِدٍ بِوَاحِدٍ مِنَ الْخِصَالِ، غَيْرَ مَا كَفَّرَ بِهِ الْآخَرُ لَكَانَ الْوَاحِدُ مِنْهُمْ لَا بِعَيْنِهِ هُوَ الْمُكَفِّرُ بِالْوَاجِبِ دُونَ الْبَاقِينَ، وَحَيْثُ وَقَعَ مَا فَعَلَهُ كُلُّ وَاحِدٍ مَوْقِعَ الْوَاجِبِ كَانَ الْجَمِيعُ وَاجِبًا.
الْحَادِي عَشَرَ: أَنَّ الْوُجُوبَ قَدْ يَعُمُّ عَدَدًا مِنَ الْمُتَعَبِّدِينَ وَيَسْقُطُ بِفِعْلِ الْوَاحِدِ مِنْهُمْ كَفَرْضِ الْكِفَايَةِ، فَلَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَعُمَّ الْوُجُوبُ عَدَدًا مِنَ الْعِبَادَاتِ يَسْقُطُ بِفِعْلِ وَاحِدَةٍ مِنْهَا.
وَالْجَوَابُ عَنِ السُّؤَالِ الْأَوَّلِ: أَنَّ الْإِجْمَاعَ مِنَ الْأُمَّةِ مُنْعَقِدٌ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ مِنَ الْآيَةِ الْوُجُوبُ لَا نَفْسُ الْإِخْبَارِ.
وَعَنِ الثَّانِي: أَنَّ حَمْلَ الْآيَةِ عَلَى مَا ذَكَرُوهُ مَعَ مُخَالَفَتِهِ لِإِجْمَاعِ السَّلَفِ مِمَّا يُحْوِجُ إِلَى إِضْمَارَاتٍ كَثِيرَةٍ فِي الْآيَةِ، وَهِيَ مَا قَدَّرُوهُ مِنَ الْبَعْضِ فِي قَوْلِهِمْ: فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ لِبَعْضِهِمْ، وَكَذَلِكَ فِي الْكُسْوَةِ وَالْعِتْقِ، وَهُوَ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ، كَيْفَ وَأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَمَا ذَكَرُوهُ لِقَالَ: فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ وَكُسْوَتُهُمْ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ ; لِوُجُوبِ الْخِصَالِ الثَّلَاثِ عَلَى الْجَمِيعِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْحَانِثِينَ الْمَذْكُورِينَ.
(١) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ: (لَنَصَبَ) دُونَ مَا عُطِفَ عَلَيْهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute