للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَإِنْ كَانَ الْقِسْمُ الثَّانِي، فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُسْتَدِلُّ لَا غَيْرَ، أَوْ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُعْتَرِضُ لَا غَيْرَ، أَوْ لَهُمَا جَمِيعًا بِحَيْثُ تَكُونُ الْعِلَّةُ مَجْمُوعَ الْوَصْفَيْنِ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا جُزْؤُهَا.

لَا جَائِزَ أَنْ يُقَالَ بِالْأَوَّلِ وَلَا بِالثَّانِي، فَإِنَّهُ لَيْسَ تَعْيِينُ أَحَدِهِمَا لِلتَّعْلِيلِ وَإِلْغَاءُ الْآخَرِ مَعَ تَسَاوِيهِمَا فِي الِاقْتِضَاءِ أَوْلَى مِنَ الْآخَرِ فَلَمْ يَبْقَ غَيْرُ الثَّالِثِ، وَيَلْزَمْ مِنْهُ امْتِنَاعُ تَعْدِيَةِ الْحُكْمِ مِنَ الْأَصْلِ إِلَى الْفَرْعِ (١) .

وَبِتَقْدِيرٍ تُسَاوِي الِاحْتِمَالَاتِ الثَّلَاثَةِ فَلَا يَخْفَى أَنَّ التَّعْدِيَةَ تَمْتَنِعُ بِتَقْدِيرِ أَنْ تَكُونَ الْعِلَّةُ مَا ذَكَرَهُ الْمُعْتَرِضُ.

وَبِتَقْدِيرِ أَنْ تَكُونَ الْعِلَّةُ هِيَ الْهَيْئَةُ الِاجْتِمَاعِيَّةُ مِنَ الْوَصْفَيْنِ، وَإِنَّمَا يَصِحُّ بِتَقْدِيرِ التَّعْلِيلِ بِمَا ذَكَرَهُ الْمُسْتَدِلُّ لَا غَيْرَ.

وَلَا يَخْفَى أَنَّ وُقُوعَ احْتِمَالٍ مِنِ احْتِمَالَيْنِ أَغْلَبُ مِنْ وُقُوعِ احْتِمَالٍ وَاحِدٍ بِعَيْنِهِ، وَمَعَ ذَلِكَ فَالتَّعْدِيَةُ تَكُونُ مُمْتَنِعَةً، لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ مَا أَبْدَاهُ الْمُعْتَرِضُ صَالِحًا لِلتَّعْلِيلِ أَوْ لِدُخُولِهِ فِيهِ عِنْدَ كَوْنِ مَا أَبْدَاهُ الْمُسْتَدِلُّ صَالِحًا وَإِلَّا فَلَا مُعَارَضَةَ، وَهَلْ يَجِبُ عَلَى الْمُعْتَرِضِ نَفْيُ مَا أَبْدَاهُ مُعَارِضًا فِي الْأَصْلِ عَنِ الْفَرْعِ؟ اخْتَلَفُوا فِيهِ، فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: لَا يَجِبُ عَلَيْهِ ذَلِكَ؛ فَإِنَّهُ إِنْ كَانَ مَوْجُودًا فِي الْفَرْعِ فَيَفْتَقِرُ الْمُسْتَدِلُّ إِلَى بَيَانِ وُجُودِهِ فِيهِ لِيَصِحَّ الْإِلْحَاقُ، وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ ذَلِكَ فَقَدِ انْقَطَعَ الْجَمْعُ. (٢) وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: لَا بُدَّ لَهُ مِنْ نَفْيِهِ عَنِ الْفَرْعِ؛ لِأَنَّ مَقْصُودَهُ الْفَرْقُ، وَذَلِكَ لَا يَتِمُّ دُونَ نَفْيِهِ عَنِ الْفَرْعِ.

وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ إِنْ قَصَدَ الْمُعْتَرِضُ الْفَرْقَ فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ نَفْيِهِ، وَإِنْ لَمْ يَقْصَدِ الْفَرْقَ بِأَنْ يَقُولَ: هَذَا الْوَصْفُ قَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ إِدْرَاجِهِ فِي التَّعْلِيلِ لِمَا دَلَّ عَلَيْهِ مِنَ الدَّلِيلِ، فَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَوْجُودٍ فِي الْفَرْعِ فَقَدْ ثَبَتَ الْفَرْقُ.

وَإِنْ كَانَ مَوْجُودًا فِي الْفَرْعِ، فَالْحُكْمُ يَكُونُ فِي الْفَرْعِ بِمَجْمُوعِ الْوَصْفَيْنِ وَنَتَبَيَّنُ أَنَّ الْمُسْتَدِلَّ لَمْ يَكُنْ ذَاكِرًا لِلْعِلَّةِ فِي الِابْتِدَاءِ بَلْ لِبَعْضِهَا، وَأَيُّ الْأَمْرَيْنِ قُدِّرَ فَالْإِشْكَالُ لَازِمٌ.


(١) أَيْ: يَمْتَنِعُ تَعْدِيَةُ الْحُكْمِ بِهَا وَحْدَهَا إِلَى الْفَرْعِ عَلَى التَّقْدِيرِ الثَّالِثِ، ضَرُورَةَ أَنَّ الْعِلَّةَ مَجْمُوعُ الْوَصْفَيْنِ.
(٢) أَيْ: لَمْ يُوجَدِ الْجَامِعُ بَيْنَ الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>