للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالُوا وَالْمَقْصُودُ مِنْهُ أَيْضًا اسْتِنْطَاقُ الْمُدَّعِي بِأَنَّ مَا ذَكَرَهُ لَيْسَ بِتَحَكُّمٍ، بَلْ لَهُ مَأْخَذٌ صَحِيحٌ فَيَقُولُ الْمُعْتَرِضُ وَكَذَلِكَ مَا ذَكَرْتُهُ.

وَهُوَ فِي غَايَةِ الْبُعْدِ، فَإِنَّهُ إِمَّا أَنْ يَعْتَرِفَ الْمُدَّعِي بِأَنَّ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ تَحَكُّمٌ أَوْ أَنْ يُبَيِّنَ مَأْخَذَهُ فِيهِ، فَإِنْ كَانَ تَحَكُّمًا فَلَا تُغْنِي مُعَارَضَتُهُ بِتَحَكُّمِهِ فِي مَذْهَبِهِ فِي إِبْطَالِ دَعْوَاهُ التَّحَكُّمَ فِي مَذْهَبِ خَصْمِهِ، وَإِنْ بَيَّنَ لَهُ مَأْخَذًا، فَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ مَا اسْتَبْعَدَهُ مِنْ مَذْهَبِ خَصْمِهِ كَذَلِكَ.

وَإِنْ تَعَرَّضَ الْمُعْتَرِضُ لِبَيَانِ الْمَأْخَذِ فِيمَا اسْتَبْعَدَهُ الْمُدَّعِي، فَهُوَ الْجَوَابُ وَلَا حَاجَةَ إِلَى الْقَلْبِ.

وَأَمَّا قَلْبُ الدَّلِيلِ، وَهُوَ عِبَارَةٌ عَنْ بَيَانِ كَوْنِ مَا ذَكَرَهُ الْمُسْتَدِلُّ يَدُلُّ عَلَيْهِ، ثُمَّ لَا يَخْلُو إِمَّا أَنْ يُسَلِّمَ الْمُعْتَرِضُ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الْمُسْتَدِلُّ مِنَ الدَّلِيلِ يَدُلُّ لَهُ مِنْ وَجْهٍ أَوْ يُبَيِّنُ أَنَّهُ لَا دَلَالَةَ لَهُ عَلَى مَذْهَبِ الْمُسْتَدِلِّ وَلَا مِنْ وَجْهٍ.

فَإِنْ بَيَّنَ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ لَا يَدُلُّ لَهُ، وَهُوَ دَلِيلٌ عَلَيْهِ، فَهَذَا قَلَّمَا يُوجَدُ لَهُ مِثَالٌ فِي غَيْرِ الْمَنْصُوصِ، وَذَلِكَ كَمَا لَوِ اسْتَدَلَّ فِي تَوْرِيثِ الْخَالِ بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: " «الْخَالُ وَارِثُ مَنْ لَا وَارِثَ لَهُ» " (١) .

فَقَالَ الْمُعْتَرِضُ: الْمُرَادُ بِهِ نَفْيُ تَوْرِيثِ الْخَالِ بِطَرِيقِ الْمُبَالَغَةِ، كَمَا يُقَالُ: الْجُوعُ زَادُ مَنْ لَا زَادَ لَهُ وَالصَّبْرُ حِيلَةٌ مَنْ لَا حِيلَةَ لَهُ، مَعْنَاهُ نَفْيُ كَوْنِ الْجُوعِ زَادًا وَالصَّبْرِ حِيلَةً.

وَيَدُلُّ عَلَى إِرَادَةِ هَذَا الِاحْتِمَالِ أَنَّهُ لَا يَخْلُو إِمَّا أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ: " «لَا وَارِثَ لَهُ» " نَفْيَ كُلِّ وَارِثٍ، فَتَوْرِيثُ الْخَالِ لَا يَتَوَقَّفُ عِنْدَ مَنْ يَرَاهُ وَارِثًا عَلَى نَفْيِ جَمِيعِ الْوُرَّاثِ لِإِرْثِهِ مَعَ الزَّوْجِ وَالزَّوْجَةِ، وَإِمَّا نَفْيُ مَنْ عَدَاهُ مِنَ الْوُرَّاثِ بِجِهَةِ الْعُصُوبَةِ، فَتَخْصِيصُ الْخَالِ بِالذِّكْرِ لَا يَكُونُ مُفِيدًا؛ لِأَنَّ مَنْ عَدَاهُ مِنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ كَذَلِكَ (٢) .


(١) جُزْءٌ مِنْ حَدِيثٍ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ الْمِقْدَامِ الْكَنَدِيِّ فِي بَابِ إِرْثِ ذَوِي الْأَرْحَامِ بِأَلْفَاظٍ مُخْتَلِفَةٍ مِنْهَا " أَنَا وَارِثُ مَنْ لَا وَارِثَ لَهُ أَفُكُّ عَانِيَهُ وَأَرِثُ مَالَهُ، وَالْخَالُ وَارِثُ مَنْ لَا وَارِثَ لَهُ يَفُكُّ عَانِيَهُ وَيَرِثُ مَالَهُ " وَقَدْ رَوَاهُ غَيْرُهُ أَيْضًا مِنْ طُرُقٍ بِأَلْفَاظٍ مُخْتَلِفَةٍ مَرْفُوعًا وَمَوْقُوفًا، انْظُرْ مَا فِي ذَلِكَ مِنْ مَقَالٍ فِي تَلْخِيصِ الْحَبِيرِ.
(٢) إِنْ صَحَّ الْحَدِيثُ فَقَوْلُهُ فِي آخِرِهِ: " يَفُكُّ عَانِيَهُ وَيَرِثُ مَالَهُ " يَرُدُّ هَذَا الِاحْتِمَالَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>