للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَذَلِكَ كَمَا لَوْ كَانَ الْمُسْتَدِلُّ قَدْ قَالَ فِي زَكَاةِ الْخَيْلِ: حَيَوَانٌ تَجُوزُ الْمُسَابَقَةُ عَلَيْه، فَوَجَبَتْ فِيهِ الزَّكَاةُ قِيَاسًا عَلَى الْإِبِلِ.

فَقَالَ الْمُعْتَرِضُ: عِنْدِي تَجِبُ فِيهِ زَكَاةُ التِّجَارَةِ. وَالنِّزَاعُ إِنَّمَا هُوَ فِي زَكَاةِ الْعَيْنِ، فَيَقُولُ الْمُسْتَدِلُّ: إِذَا كَانَ النِّزَاعُ فِي زَكَاةِ الْعَيْنِ، فَظَاهِرُ كَلَامِي مُنْصَرِفٌ إِلَيْهَا لِقَرِينَةِ الْحَالِ، وَلِظُهُورِ عَوْدِ الْأَلِفِ وَاللَّامِ فِي الزَّكَاةِ إِلَى الْمَعْهُودِ، وَأَيْضًا فَإِنَّ لَفْظَ الزَّكَاةِ يَعُمُّ زَكَاةَ الْعَيْنِ وَالتِّجَارَةِ، فَالْقَوْلُ بِهِ فِي زَكَاةِ التِّجَارَةِ قَوْلٌ بِالْمُوجِبِ فِي صُورَةٍ وَاحِدَةٍ، وَهُوَ غَيْرُ مُتَّجِهٍ (١) لِأَنَّ مُوجِبَ الدَّلِيلِ التَّعْمِيمُ، فَالْقَوْلُ بِبَعْضِ الْمُوجِبِ لَا يَكُونُ قَوْلًا بِالْمُوجِبِ بَلْ بِبَعْضِهِ.

وَكَذَلِكَ إِذَا قَالَ فِي مَسْأَلَةِ إِزَالَةِ النَّجَاسَةِ (٢) : مَائِعٌ لَا يُزِيلُ الْحَدَثَ، فَلَا يُزِيلُ الْخَبَثَ كَالْمَرَقَةِ.

فَقَالَ الْمُعْتَرِضُ: أَقُولُ بِهِ؛ فَإِنَّ الْخَلَّ النَّجِسَ لَا يُزِيلُ الْحَدَثَ وَلَا الْخَبَثَ.

فَيَقُولُ الْمُسْتَدِلُّ: ظَاهِرُ كَلَامِي إِنَّمَا هُوَ الْخَلُّ الظَّاهِرُ، ضَرُورَةَ وُقُوعِ النِّزَاعِ فِيهِ، وَإِيرَادُ الْقَوْلِ بِالْمُوجِبِ عَلَى وَجْهٍ يَلْزَمُ مِنْهُ تَغْيِيرُ كَلَامِ الْمُسْتَدِلِّ عَنْ ظَاهِرِهِ لَا يَكُونُ قَوْلًا بِمَدْلُولِهِ وَمُوجِبِهِ، بَلْ بِغَيْرِهِ فَلَا يَكُونُ مَقْبُولًا.

وَلَهُ فِي دَفْعِ الْقَوْلِ بِالْمُوجِبِ بِالِاعْتِبَارِ الثَّانِي أَيْضًا طُرُقٌ.

الْأَوَّلُ: أَنْ يَكُونَ الْمُسْتَدِلُّ قَدْ أَفْتَى بِمَا وَقَعَ مَدْلُولًا لِدَلِيلِهِ، وَفَرَضَ الْمُعْتَرِضُ الْكَلَامَ مَعَهُ فِيهِ وَطَالَبَهُ بِالدَّلِيلِ عَلَيْهِ، فَإِذَا قَالَ بِالْمُوجِبِ بَعْدَ ذَلِكَ فَقَدْ سَلَّمَ مَا وَقَعَ النِّزَاعُ فِيهِ وَأَفْسَدَ عَلَى نَفْسِهِ الْقَوْلَ بِالْمُوجِبِ بِالْمُطَالَبَةِ بِالدَّلِيلِ عَلَيْهِ أَوَّلًا.

وَبِمِثْلِ هَذَا يُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَنِ الْقَوْلِ (٣) بِالِاعْتِبَارِ الْأَوَّلِ أَيْضًا.

الثَّانِي: أَنْ يُبَيِّنَ أَنَّ لَقَبَ الْمَسْأَلَةِ مَشْهُورٌ بِذَلِكَ بَيْنَ النُّظَّارِ، كَمَا سَبَقَ تَقْرِيرُهُ أَوَّلًا.

الثَّالِثُ: أَنْ يُبَيِّنَ أَنَّ مَحَلَّ النِّزَاعِ لَازِمٌ مِنْ مَدْلُولِ دَلِيلِهِ إِنْ أَمْكَنَ،


(١) أَيْ: وَحَمْلُ الْعَامِّ عَلَى بَعْضِ صُوَرِهِ بِلَا قَرِينَةٍ غَيْرُ مُتَّجِهٍ؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ مِنَ الدَّلِيلِ.
(٢) إِزَالَةُ النَّجَاسَةِ - أَيْ: بِالْخَلِّ.
(٣) عَنِ الْقَوْلِ؛ أَيِ: الْقَوْلِ بِالْمُوجِبِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>