أَمَّا إِذَا اتَّحَدَتْ، فَلِأَنَّهُ لَا يَمْتَنِعُ عِنْدَ تَعَدُّدِ الْمُحَالِ وَإِنِ اتَّحَدَ نَوْعُ الْحُكْمِ، أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ الثَّابِتُ فِي الْفَرْعِ بِغَيْرِ عِلَّةِ الْأَصْلِ وَهُوَ الْأَوْلَى، لِمَا فِيهِ مِنْ تَكْثِيرِ مَدَارِكِ الْحُكْمِ، فَإِنَّهُ أَفْضَى إِلَى اقْتِنَاصِ مَقْصُودِ الشَّارِعِ مِنَ الْحُكْمِ مِمَّا إِذَا اتَّحَدَ الْمُدْرَكُ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ وُجُودُ الْحُكْمِ الْآخَرِ؛ لِجَوَازِ أَنْ لَا تَكُونَ عِلَّةُ الْفَرْعِ مُسْتَقِلَّةً بِإِثْبَاتِ الْحُكْمِ الْآخَرِ كَاسْتِقْلَالِ عِلَّةِ الْأَصْلِ.
وَأَمَّا إِذَا تَعَدَّدَتِ الْعِلَّةُ فَإِنْ وَقَعَ التَّلَازُمُ بَيْنَهُمَا، فَلِجَوَازِ أَنْ تَكُونَ عِلَّةُ الْحُكْمِ الثَّابِتِ فِي الْفَرْعِ غَيْرَ عِلَّتِهِ فِي الْأَصْلِ، لِمَا ذَكَرْنَاهُ.
وَعِنْدَ ذَلِكَ فَلَا يَلْزَمُ مِنْهَا وُجُودُ الْعِلَّةِ الْأُخْرَى فِي الْفَرْعِ، فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنَ التَّلَازُمِ بَيْنَ عِلَّةِ ذَلِكَ الْحُكْمِ وَعِلَّةِ الْحُكْمِ الْآخَرِ فِي الْأَصْلِ التَّلَازُمُ بَيْنَ عِلَّتِهِ فِي الْفَرْعِ وَعِلَّةِ الْحُكْمِ الْآخَرِ.
وَعَلَى هَذَا لَا يَكُونُ الْحُكْمُ الْآخَرُ لَازِمًا فِي الْفَرْعِ، وَجَوَابُهُ أَنْ يُقَالَ: ثُبُوتُ أَحَدِ الْحُكْمَيْنِ فِي الْفَرْعِ يَدُلُّ ظَاهِرًا عَلَى وُجُودِ عِلَّتِهِ الَّتِي ثَبَتَ بِهَا فِي الْأَصْلِ، وَإِنْ جَازَ ثُبُوتُهُ فِي الْفَرْعِ بِغَيْرِهَا؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ وُجُودِ عِلَّةٍ أُخْرَى غَيْرِ عِلَّتِهِ فِي الْأَصْلِ.
وَالْقَوْلُ بِأَنَّ تَعَدُّدَ الْمَدَارِكِ أَوْلَى مُعَارَضٌ بِأَنَّ الِاتِّحَادَ أَوْلَى لِمَا فِيهِ مِنَ التَّعْلِيلِ بِعِلَّةٍ مُطَّرِدَةٍ مُنْعَكِسَةٍ، وَمَا ذَكَرُوهُ وَإِنْ كَانَتِ الْعِلَّةُ فِيهِ مُطَّرِدَةً إِلَّا أَنَّهَا غَيْرُ مُنْعَكِسَةٍ، وَالتَّعْلِيلُ بِالْعِلَّةِ الْمُطَّرِدَةِ الْمُنْعَكِسَةِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، بِخِلَافِ غَيْرِ الْمُنْعَكِسَةِ، فَكَانَتْ أَوْلَى.
فَإِنْ قِيلَ: وَكَمَا أَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ عِلَّةٍ أُخْرَى فِي الْفَرْعِ غَيْرِ عِلَّةِ الْأَصْلِ، فَالْأَصْلُ عَدَمُ عِلَّةِ الْأَصْلِ فِي الْفَرْعِ وَلَيْسَ الْعَمَلُ بِأَحَدِ الْأَصْلَيْنِ أَوْلَى مِنَ الْآخَرِ.
قُلْنَا: بَلِ الْعَمَلُ بِمَا ذَكَرْنَاهُ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْعِلَّةَ فِيهِ تَكُونُ مُتَعَدِّيَةً وَهِيَ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّةِ التَّعْلِيلِ بِهَا، وَمَا ذَكَرُوهُ يَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ تَكُونَ الْعِلَّةُ فِي الْأَصْلِ قَاصِرَةً؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ وُجُودِهَا فِي صُورَةٍ أُخْرَى، وَهِيَ مُخْتَلَفٌ فِي صِحَّةِ التَّعْلِيلِ بِهَا، فَكَانَ مَا ذَكَرْنَاهُ أَوْلَى.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute