للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلِهَذَا فَإِنَّهُ لَا يُوصَفُ شَرْعُهُ بِأَنَّهُ نَاسِخٌ لِبَعْضِ مَا كَانَ مَشْرُوعًا قَبْلَهُ، كَوُجُوبِ الْإِيمَانِ وَتَحْرِيمِ الْكُفْرَانِ وَالزِّنَا وَالْقَتْلِ وَالسَّرِقَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا شَرْعُنَا فِيهِ مُوَافِقٌ لِشَرْعِ مَنْ تَقَدَّمَ.

سَلَّمْنَا دَلَالَةَ مَا ذَكَرْتُمُوهُ عَلَى مَطْلُوبِكُمْ، لَكِنَّهُ مُعَارِضٌ بِمَا يَدُلُّ عَلَى نَقِيضِهِ وَبَيَانِهِ مِنْ جِهَةِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، أَمَّا مِنْ جِهَةِ الْكِتَابِ فَآيَاتٌ.

الْأُولَى قَوْلُهُ تَعَالَى فِي حَقِّ الْأَنْبِيَاءِ: {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} أَمَرَهُ بِاقْتِدَائِهِ بِهُدَاهُمْ، وَشَرْعُهُمْ مِنْ هُدَاهُمْ، فَوَجَبَ عَلَيْهِ اتِّبَاعُهُ.

الثَّانِيَةُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ} ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا} فَدَلَّ عَلَى وُجُوبِ اتِّبَاعِهِ لِشَرِيعَةِ نُوحٍ (١) .

الثَّالِثَةُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ} أَمَرَهُ بِاتِّبَاعِ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ، وَالْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ.

الرَّابِعَةُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ} وَالنَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلَامُ مِنْ جُمْلَةِ النَّبِيِّينَ، فَوَجَبَ عَلَيْهِ الْحُكْمُ بِهَا.

وَأَمَّا السُّنَّةُ فَمَا «رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ رَجَعَ إِلَى التَّوْرَاةِ فِي رَجْمِ الْيَهُودِيِّ» (٢)

وَأَيْضًا مَا رُوِيَ عَنْهُ عِنْدَمَا طُلِبَ مِنْهُ الْقِصَاصُ فِي سِنٍّ كُسِرَتْ، فَقَالَ: " «كِتَابُ اللَّهِ


(١) لَا خُصُوصِيَّةَ فِي الْآيَتَيْنِ لِنُوحٍ تُوجِبُ اتِّبَاعَهُ، فَإِنَّ اللَّهَ ذَكَرَ مَعَهُ جُمْلَةً مِنَ الْأَنْبِيَاءِ فِي كُلٍّ مِنَ الْآيَتَيْنِ، وَإِنَّمَا قُدِّمَ فِي الذِّكْرِ؛ لِأَنَّهُ أَوَّلُ رَسُولٍ إِلَى الْبَشَرِ كَمَا ثَبَتَ فِي الْحَدِيثِ.
(٢) يُشِيرُ إِلَى مَا رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ عُمَرَ فِي رَجْمِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَهُودِيَّيْنِ زَنَيَا، وَإِلَى مَا رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ فِي رَجْمِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَهُودِيًّا زَنَى. . إِلَخْ. وَسَيَأْتِي.

<<  <  ج: ص:  >  >>