للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَقْضِي بِالْقِصَاصِ» " (١) وَلَيْسَ فِي الْكُتُبِ مَا يَقْضِي بِالْقِصَاصِ فِي السِّنِّ سِوَى التَّوْرَاةِ وَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى فِيهَا: {وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ}

وَأَيْضًا مَا رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: " «مَنْ نَامَ عَنْ صَلَاةٍ أَوْ أُنْسِيَهَا فَلْيُصَلِّهَا إِذَا ذَكَرَهَا» " وَتَلَا قَوْلَهُ تَعَالَى: (أَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي) (٢) وَهُوَ خِطَابٌ مَعَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ.

وَالْجَوَابُ قَوْلُهُمْ: (إِنَّمَا لَمْ يَذْكُرْ مُعَاذٌ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ لِدَلَالَةِ الْقُرْآنِ عَلَيْهِمَا) لَا نُسَلِّمُ ذَلِكَ وَمَا يَذْكُرُونَهُ فِي ذَلِكَ فَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ، وَإِنْ سَلَّمْنَا ذَلِكَ لَكِنْ لَا يَكُونُ ذَلِكَ كَافِيًا عَنْ ذِكْرِهِمَا، كَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ مَا فِي الْقُرْآنِ مِنْ ذِكْرِ السُّنَّةِ وَالْقِيَاسِ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ (٣) كَافِيًا أَوْ أَنْ لَا يَكُونَ إِلَى ذِكْرِ السُّنَّةِ وَالْقِيَاسِ فِي خَبَرِ مُعَاذٍ حَاجَةٌ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الْأَمْرَيْنِ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ.

قَوْلُهُمْ: (إِنَّ الْكُتُبَ السَّالِفَةَ مُنْدَرِجَةٌ فِي لَفْظِ الْكِتَابِ) لَيْسَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمُتَبَادَرَ مِنْ إِطْلَاقِ لَفْظِ الْكِتَابِ فِي شَرْعِنَا عِنْدَ قَوْلِ الْقَائِلِ: قَرَأْتُ كِتَابَ اللَّهِ وَحَكَمْتُ بِكِتَابِ اللَّهِ الْقُرْآنِ. لَيْسَ غَيْرَ الْقُرْآنِ، وَذَلِكَ لِمَا عُلِمَ مِنْ مُعَانَاةِ الْمُسْلِمِينَ لِحِفْظِ الْقُرْآنِ وَدِرَاسَتِهِ وَالْعَمَلِ بِمُوجِبَاتِهِ دُونَ غَيْرِهِ مِنَ الْكُتُبِ السَّالِفَةِ.

قَوْلُهُمْ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّ تَعَلُّمَ مَا تُعُبِّدَ بِهِ مِنَ الشَّرَائِعِ الْمَاضِيَةِ لَيْسَ فَرْضًا عَلَى الْكِفَايَةِ.

قُلْنَا: لِأَنَّ إِجْمَاعَ الْمُسْلِمِينَ قَبْلَ ظُهُورِ الْمُخَالِفِينَ عَلَى أَنَّهُ لَا تَأْثِيمَ بِتَرْكِ النَّظَرِ عَلَى كَافَّةِ الْمُجْتَهِدِينَ فِي ذَلِكَ (٤)


(١) يُشِيرُ إِلَى مَا رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ أَنَسٍ أَنَّ عَمَّتَهُ الرُّبَيِّعَ كَسَرَتْ ثَنْيَةَ جَارِيَةٍ. . الْحَدِيثَ.
(٢) رَوَى أَحْمَدُ مِنْ طَرِيقِ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " إِذَا رَقَدَ أَحَدُكُمْ عَنِ الصَّلَاةِ أَوْ غَفَلَ عَنْهَا فَلْيُصَلِّهَا إِذَا ذَكَرَهَا، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: (وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي) انْظُرْ تَفْسِيرَ أَوَّلِ سُورَةِ طَهَ لِابْنِ كَثِيرٍ.
(٣) أَيْ: مِنْ دَلَالَةِ الْقُرْآنِ عَلَى حُجِّيَّتِهِمَا.
(٤) تَقَدَّمَ أَنَّ مُقْتَضَى دَعْوَى أَصْحَابِ الرَّأْيِ الْأَوَّلِ طَلَبُ مَا نُقِلَ مِنْ شَرَائِعِ السَّابِقِينَ فِي الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ، وَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ لَمْ يَأْثَمُوا بِتَرْكِ النَّظَرِ وَالْبَحْثِ فِي غَيْرِ مَا ثَبَتَ بِطَرِيقِ الْوَحْيِ إِلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>