للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْعَقْلِيَّةُ الْهَادِيَةُ إِلَيْهِ (١) وَلَيْسَ ذَلِكَ مِنْ شَرْعِهِمْ فِي شَيْءٍ، وَلِهَذَا قَالَ: {فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} وَلَمْ يَقُلْ " بِهِمْ ".

وَبِتَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مِنَ الْهُدَى الْمُشْتَرَكِ مَا اتَّفَقُوا فِيهِ مِنَ الشَّرَائِعِ دُونَ مَا اخْتَلَفُوا فِيهِ فَاتِّبَاعُهُ لَهُ إِنَّمَا كَانَ بِوَحْيٍ إِلَيْهِ وَأَمْرٍ مُجَدَّدٍ لَا أَنَّهُ بِطَرِيقِ الِاقْتِدَاءِ بِهِمْ. (٢) وَعَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ} أَنَّهُ لَا دَلَالَةَ لَهُ عَلَى أَنَّهُ مُوحًى إِلَيْهِ بِعَيْنِ مَا أُوحِيَ بِهِ إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ حَتَّى يُقَالَ بِاتِّبَاعِهِ لِشَرِيعَتِهِمْ، بَلْ غَايَتُهُ أَنَّهُ أَوْحَى إِلَيْهِ كَمَا أَوْحَى إِلَى غَيْرِهِ مِنَ النَّبِيِّينَ قَطْعًا لِاسْتِبْعَادِ ذَلِكَ وَإِنْكَارِهِ، وَبِتَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهِ أَنَّهُ أَوْحَى إِلَيْهِ بِمَا أَوْحَى بِهِ إِلَى غَيْرِهِ مِنَ النَّبِيِّينَ، فَغَايَتُهُ أَنَّهُ أَوْحَى إِلَيْهِ بِمِثْلِ شَرِيعَةِ مَنْ قَبْلَهُ بِوَحْيٍ مُبْتَدَإٍ لَا بِطْرِيقِ الِاتِّبَاعِ لِغَيْرِهِ. (٣) وَعَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا} أَنَّ الْمُرَادَ مِنَ الدِّينِ إِنَّمَا هُوَ أَصْلُ التَّوْحِيدِ لَا مَا انْدَرَسَ مِنْ شَرِيعَتِهِ، وَلِهَذَا لَمْ يُنْقَلْ عَنِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ الْبَحْثُ عَنْ شَرِيعَةِ نُوحٍ (٤) ، وَذَلِكَ مَعَ التَّعَبُّدِ بِهَا فِي حَقِّهِ مُمْتَنِعٌ، وَحَيْثُ خَصَّصَ


(١) الْآيَةُ عَامَّةٌ فِيمَا تَعَبَّدَهُمُ اللَّهُ بِهِ مِنَ التَّوْحِيدِ وَالنَّظَرِ فِي السُّنَنِ الْكَوْنِيَّةِ، وَغَيْرِهِمَا مِنْ شَرَائِعِ السَّابِقِينَ، وَلَا يَخْرُجُ عَنْ ذَلِكَ إِلَّا مَا نَسَخَتْهُ شَرِيعَتُنَا أَوِ اخْتَلَفَتْ فِيهِ الشَّرَائِعُ السَّابِقَةُ، وَدَعْوَى أَنَّ الْأَدِلَّةَ الْعَقْلِيَّةَ مَثَلًا لَيْسَتْ مِنْ شَرَائِعِهِمْ بَاطِلَةٌ، فَإِنَّ اللَّهَ أَمَرَ الْجَمِيعَ بِالنَّظَرِ فِي السُّنَنِ الْكَوْنِيَّةِ وَتَعَبَّدَهُمْ بِالِاسْتِدْلَالِ بِهَا عَلَى الْمَطَالِبِ الشَّرْعِيَّةِ مِنْ تَوْحِيدٍ وَغَيْرِهِ، وَمَنْ تَتَبَّعَ قَصَصَ الْأَنْبِيَاءِ وَأَتْبَاعِهِمْ فِي الْقُرْآنِ وَمُحَاجَّتِهِمْ لِأَقْوَامِهِمْ وَجِدَالِهِمْ إِيَّاهُمْ تَبَيَّنَ لَهُ ذَلِكَ.
(٢) لَا تَنَافِيَ بَيْنَ الْوَحْيِ إِلَيْهِ بِشَرَائِعِ السَّابِقِينَ وَأَمْرِهِ وَأُمَّتِهِ بِالِاقْتِدَاءِ بِهِمْ، وَلَا دَلِيلَ عَلَى قَصْرِ مَا تَبِعَهُمْ فِيهِ عَلَى أَمْرٍ مُجَدَّدٍ.
(٣) فِيهِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ عَدَمِ التَّدَافُعِ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ وَعَدَمِ حَصْرِ مَا وَافَقَهُمْ فِيهِ فِي أَمْرٍ مُجَدَّدٍ.
(٤) الظَّاهِرُ عُمُومُ الشَّرِيعَةِ الَّتِي وَصَّاهُ بِهَا لِلتَّوْحِيدِ وَتَوَابِعِهِ مِنْ كُلِّ مَا دَانَ بِهِ الْأَنْبِيَاءُ إِلَّا مَا خَصَّهُ الدَّلِيلُ، فَالْعُدُولُ عَنْ ذَلِكَ بِلَا دَلِيلٍ مَمْنُوعٌ، وَإِنَّمَا لَمْ يَبْحَثْ عَنْ شَرِيعَةِ نُوحٍ وَنَحْوِهَا فِي كُتُبِ الْأَوَّلِينَ اكْتِفَاءً بِمَا أُوحِيَ إِلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ ; لِأَنَّهُ الطَّرِيقُ الْمَأْمُونُ الَّذِي يُعْرَفُ بِهِ تِلْكَ الشَّرَائِعُ عَلَى وَجْهِهَا.

<<  <  ج: ص:  >  >>