للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حَمَلُ ذَلِكَ عَلَى مُخَاطَبَةِ الْعَامَّةِ وَالْمُقَلِّدِينَ لَهُمْ ; لِمَا فِيهِ مِنْ تَخْصِيصِ الْعُمُومِ مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ، وَلِمَا فِيهِ مِنْ إِبْطَالِ فَائِدَةِ تَخْصِيصِ الصَّحَابَةِ بِذَلِكَ مِنْ جِهَةِ وُقُوعِ الِاتِّفَاقِ عَلَى جَوَازِ تَقْلِيدِ الْعَامَّةِ لِغَيْرِ الصَّحَابَةِ مِنَ الْمُجْتَهِدِينَ، فَلَمْ يَبْقَ إِلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهِ وُجُوبَ اتِّبَاعِ مَذَاهِبِهِمْ.

وَأَمَّا الْإِجْمَاعُ: فَهُوَ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ وَلَّى عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الْخِلَافَةَ بِشَرْطِ الِاقْتِدَاءِ بِالشَّيْخَيْنِ فَأَبَى، وَوَلَّى عُثْمَانَ فَقَبِلَ، وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ مُنْكِرٌ فَصَارَ إِجْمَاعًا. (١) وَأَمَّا الْمَعْقُولُ فَمِنْ وُجُوهٍ:

الْأَوَّلُ: أَنَّ الصَّحَابِيَّ إِذَا قَالَ قَوْلًا يُخَالِفُ الْقِيَاسَ فَإِمَّا أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ فِيمَا قَالَ


(١) جُزْءٌ مِنْ أَثَرٍ طَوِيلٍ أَخْرَجَهُ الذُّهْلِيُّ فِي الزُّهْرِيَّاتِ، وَابْنُ عَسَاكِرَ فِي تَرْجَمَةِ عُثْمَانَ مِنْ طَرِيقِهِ، ثُمَّ مِنْ رِوَايَةِ عِمْرَانَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عُمَرَ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ عَنْ أَبِيهِ، فَذَكَرَ الْقِصَّةَ وَفِيهَا: فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ: هَلْ أَنْتَ يَا عَلِيُّ مُبَايِعِي إِنْ وَلَّيْتُكَ هَذَا الْأَمْرَ عَلَى سُنَّةِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ وَسُنَّةِ الْمَاضِينَ قَبْلِي؟ قَالَ: لَا وَلَكِنْ عَلَى طَاقَتِي، وَأَعَادَهَا ثَلَاثًا، فَقَالَ عُثْمَانُ: يَا أَبَا مُحَمَّدٍ أَنَا أُبَايِعُكَ عَلَى ذَلِكَ، قَالَهَا ثَلَاثًا. . . إِلَخِ الْأَثَرِ. وَفِي ذَلِكَ مُؤَاخَذَاتٌ:
الْأُولَى: أَنَّ الْأَثَرَ لَمْ يَصِحَّ مِنْ هَذَا الطَّرِيقِ ; لِأَنَّ فِيهِ عِمْرَانَ عَنْ أَخِيهِ مُحَمَّدٍ وَكِلَاهُمَا مُنْكَرُ الْحَدِيثِ.
الثَّانِيَةُ: أَنَّ الْآمِدِيَّ تَصَرَّفَ فِي الْأَثَرِ بِمَا غَيَّرَ مَعْنَاهُ فَقَالَ: وَلَّيْتُكَ، مَعَ أَنَّهُ لَمْ يُوَلِّهِ وَإِنَّمَا أَخَذَ عَلَيْهِ عَهْدًا إِنْ وَلَّاهُ أَنْ يَكُونَ عَلَى سُنَّةِ اللَّهِ إِلَخْ.
الثَّالِثَةُ: أَنَّهُ لَيْسَ فِي الرِّوَايَاتِ الصَّحِيحَةِ إِبَاءٌ مِنْ عَلِيٍّ وَلَا عُثْمَانَ عَمَّا عُرِضَ عَلَيْهِمَا بَلْ ظَاهِرُ الرِّوَايَاتِ رِضَا كُلٍّ مِنْهُمَا بِمَا عُرِضَ عَلَيْهِ مُعَلَّقًا.
الرَّابِعَةُ: أَنَّ الْبَيْعَةَ إِمَّا تَمَّتْ بِبَيْعَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ لِعُثْمَانَ فِي مَجْمَعٍ مِنَ النَّاسِ، وَلَيْسَ عُثْمَانُ هُوَ الَّذِي عَرَضَ نَفْسَهَ وَقَالَ: أَنَا أُبَايِعُكَ يَا أَبَا مُحَمَّدٍ. انْظُرِ الْقِصَّةَ فِي شَرْحِ فَتْحِ الْبَارِي لِأَحَادِيثِ (بَابِ كَيْفَ يُبَايِعُ الْإِمَامُ النَّاسَ) وَتَرْجَمَةُ عِمْرَانَ وَأَخِيهِ مُحَمَّدٍ فِي الْمِيزَانِ لِلذَّهَبِيِّ.

<<  <  ج: ص:  >  >>