للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَلَيْهِ أَقْوَى مِنْهُ مِنْ نَصٍّ أَوْ إِجْمَاعٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَلَا نِزَاعَ فِي صِحَّةِ الِاحْتِجَاجِ بِهِ، وَإِنْ نُوزِعَ فِي تَلْقِيبِهِ بِالِاسْتِحْسَانِ فَحَاصِلُ النِّزَاعِ رَاجِعٌ فِيهِ إِلَى الْإِطْلَاقَاتِ اللَّفْظِيَّةِ، وَلَا حَاصِلَ لَهُ، وَإِنَّمَا النِّزَاعُ فِي إِطْلَاقِهِمُ الِاسْتِحْسَانَ عَلَى الْعُدُولِ عَنْ حُكْمِ الدَّلِيلِ إِلَى الْعَادَةِ وَهُوَ أَنْ يُقَالَ: إِنْ أَرَدْتُمْ بِالْعَادَةِ مَا اتَّفَقَ عَلَيْهِ الْأَئِمَّةُ مِنْ أَهْلِ الْحَلِّ وَالْعَقْدِ فَهُوَ حَقٌّ.

وَحَاصِلُهُ رَاجِعٌ إِلَى الِاسْتِدْلَالِ بِالْإِجْمَاعِ، وَإِنْ أُرِيدَ بِهِ عَادَةُ مَنْ لَا يُحْتَجَّ بِعَادَتِهِ كَالْعَادَاتِ الْمُسْتَحْدَثَةِ لِلْعَامَّةِ فِيمَا بَيْنَهُمْ فَذَلِكَ مِمَّا يَمْتَنِعُ تَرْكُ الدَّلِيلِ الشَّرْعِيِّ بِهِ.

وَإِذَا تَحَقَّقَ الْمَطْلُوبُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَلَا بُدَّ مِنَ الْإِشَارَةِ إِلَى شُبَهٍ تَمَسَّكَ بِهَا الْقَائِلُونَ بِالِاسْتِحْسَانِ فِي بَيَانِ كُونِ الْمَفْهُومِ مِنْهُ حُجَّةً مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ تَفْصِيلِ الْقَوْلِ فِيهِ، وَالْإِشَارَةِ إِلَى جِهَةِ ضَعْفِهَا، وَقَدْ تَمَسَّكُوا فِي ذَلِكَ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ.

أَمَّا الْكِتَابُ فَقَوْلُهُ تَعَالَى: {الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ} ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ} .

وَوَجْهُ الِاحْتِجَاجِ بِالْآيَةِ الْأُولَى: وُرُودُهَا فِي مَعْرِضِ الثَّنَاءِ وَالْمَدْحِ لِمُتَّبِعِ أَحْسَنِ الْقَوْلِ، وَبِالْآيَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ أَمَرَ بِاتِّبَاعِ أَحْسَنِ مَا أُنْزِلَ، وَلَوْلَا أَنَّهُ حُجَّةٌ لَمَا كَانَ كَذَلِكَ.

وَأَمَّا السُّنَّةُ فَقَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: ( «مَا رَآهُ الْمُسْلِمُونَ فَهُوَ عِنْدُ اللَّهِ حَسَنٌ» ) (١) وَلَوْلَا أَنَّهُ حُجَّةٌ لَمَا كَانَ عِنْدَ اللَّهِ حَسَنًا.

وَأَمَّا إِجْمَاعُ الْأُمَّةِ فَمَا ذُكِرَ مِنِ اسْتِحْسَانِهِمْ دُخُولَ الْحَمَّامِ وَشُرْبَ الْمَاءِ مِنْ أَيْدِي السَّقَّائِينَ مِنْ غَيْرِ تَقْدِيرٍ لِزَمَانِ السُّكُونِ وَتَقْدِيرِ الْمَاءِ وَالْأُجْرَةِ.

وَالْجَوَابُ عَنِ الْآيَةِ الْأُولَى: أَنَّهُ لَا دَلَالَةَ لَهُ فِيهَا عَلَى وُجُوبِ اتِّبَاعِ أَحْسَنِ الْقَوْلِ، وَهُوَ مَحَلُّ النِّزَاعِ.

وَعَنِ الْآيَةِ الثَّانِيَةِ: أَنَّهُ لَا دَلَالَةَ أَيْضًا فِيهَا عَلَى أَنَّ مَا صَارُوا إِلَيْهِ دَلِيلٌ مُنَزَّلٌ، فَضْلًا عَنْ كَوْنِهِ أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ.

وَعَنِ الْخَبَرِ كَذَلِكَ أَيْضًا، فَإِنَّ قَوْلَهُ: " «مَا رَآهُ الْمُسْلِمُونَ حَسَنًا فَهُوَ عِنْدُ اللَّهِ حَسَنٌ» " إِشَارَةٌ إِلَى إِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ، وَالْإِجْمَاعُ حُجَّةٌ، وَلَا يَكُونُ إِلَّا عَنْ دَلِيلٍ، وَلَيْسَ فِيهِ


(١) تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ تَعْلِيقًا ص ١٥٦ ج٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>