للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ مَا رَآهُ آحَادُ الْمُسْلِمِينَ حَسَنًا أَنَّهُ حَسَنٌ عِنْدَ اللَّهِ، وَإِلَّا كَانَ مَا رَآهُ آحَادُ الْعَوَامِّ مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَكُونَ حَسَنًا عِنْدَ اللَّهِ، وَهُوَ مُمْتَنِعٌ.

وَعَنِ الْإِجْمَاعِ عَلَى اسْتِحْسَانِ مَا ذَكَرُوهُ، لَا نُسَلِّمُ أَنَّ اسْتِحْسَانَهُمْ لِذَلِكَ هُوَ الدَّلِيلُ عَلَى صِحَّتِهِ، بَلِ الدَّلِيلُ مَا دَلَّ عَلَى اسْتِحْسَانِهِمْ لَهُ، وَهُوَ جَرَيَانُ ذَلِكَ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ السَّلَامُ مَعَ عِلْمِهِ بِهِ وَتَقْرِيرِهِ لَهُمْ عَلَيْهِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ.

النَّوْعُ الرَّابِعُ: الْمَصَالِحُ الْمُرْسَلَةُ (١) وَقَدْ بَيَّنَّا فِي الْقِيَاسِ حَقِيقَةَ الْمَصْلَحَةِ وَأَقْسَامَهَا فِي ذَاتِهَا، وَانْقِسَامَهَا بِاعْتِبَارِ شَهَادَةِ الشَّارِعِ لَهَا إِلَى: مُعْتَبَرَةٌ، وَمُلْغَاةٌ، وَإِلَى مَا لَمْ يَشْهَدِ الشَّرْعُ لَهَا بِاعْتِبَارٍ وَلَا إِلْغَاءٍ، وَبَيَّنَّا مَا يَتَعَلَّقُ بِالْقِسْمَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ، وَلَمْ يَبْقَ غَيْرُ الْقِسْمِ الثَّالِثِ، وَهُوَ الْمُعَبَّرُ عَنْهُ بِالْمُنَاسِبِ الْمُرْسَلِ، وَهَذَا أَوَانُ النَّظَرِ فِيهِ.

وَقَدِ اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَفِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ عَلَى امْتِنَاعِ التَّمَسُّكِ بِهِ، وَهُوَ الْحَقُّ، إِلَّا مَا نُقِلَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ يَقُولُ بِهِ مَعَ إِنْكَارِ أَصْحَابِهِ لِذَلِكَ عَنْهُ، وَلَعَلَّ النَّقْلَ إِنْ صَحَّ عَنْهُ فَالْأَشْبَهُ أَنَّهُ لَمْ يَقُلْ بِذَلِكَ فِي كُلِّ مَصْلَحَةٍ، بَلْ فِيمَا كَانَ مِنَ الْمَصَالِحِ الضَّرُورِيَّةِ الْكُلِّيَّةِ الْحَاصِلَةِ قَطْعًا، لَا فِيمَا كَانَ مِنَ الْمَصَالِحِ غَيْرَ ضَرُورِيٍّ وَلَا كُلِّيٍّ، وَلَا وُقُوعُهُ قَطْعِيٌّ.

وَذَلِكَ كَمَا لَوْ (٢) تَتَرَّسَ الْكُفَّارُ بِجَمَاعَةٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، بِحَيْثُ لَوْ كَفَفْنَا عَنْهُمْ لَغَلَبَ الْكُفَّارُ عَلَى دَارِ الْإِسْلَامِ وَاسْتَأْصَلُوا شَأْفَةَ الْمُسْلِمِينَ، وَلَوْ رَمَيْنَا التُّرْسَ وَقَتَلْنَاهُمُ انْدَفَعَتِ الْمَفْسَدَةُ عَنْ كَافَّةِ الْمُسْلِمِينَ قَطْعًا غَيْرَ أَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ قَتْلُ مُسْلِمٍ لَا جَرِيمَةَ لَهُ، فَهَذَا الْقَتْلُ وَإِنْ كَانَ مُنَاسِبًا فِي هَذِهِ الصُّورَةِ، وَالْمَصْلَحَةُ ضَرُورِيَّةٌ كُلِّيَّةٌ قَطْعِيَّةٌ، غَيْرَ أَنَّهُ لَمْ يَظْهَرْ مِنَ الشَّارِعِ اعْتِبَارُهَا وَلَا إِلْغَاؤُهَا فِي صُورَةٍ.


(١) انْظُرْ كِتَابَ " الْمَقَاصِدِ " مِنْ كِتَابِ " الْمُوَافَقَاتِ لِلشَّاطِبِيِّ "، وَمَبْحَثَ " الْمَصَالِحِ الْمُرْسَلَةِ " فِي كِتَابِ " الِاعْتِصَامِ لِلشَّاطِبِيِّ. "
(٢) مِثَالٌ لِمَا اسْتَوْفَى الشُّرُوطَ الثَّلَاثَةَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>