للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَمَا أَرَاهُ يَعُمُّ الْحُكْمَ بِالنَّصِّ وَالِاسْتِنْبَاطِ مِنَ النُّصُوصِ. (١) وَأَيْضًا قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ} .

وَالْمُشَاوَرَةُ إِنَّمَا تَكُونُ فِيمَا يُحْكَمُ فِيهِ بِطَرِيقِ الِاجْتِهَادِ لَا فِيمَا يُحْكَمُ فِيهِ بِطَرِيقِ الْوَحْيِ.

وَأَيْضًا قَوْلُهُ تَعَالَى بِطَرِيقِ الْعِتَابِ لِلنَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي أُسَارَى بَدْرٍ وَقَدْ أَطْلَقَهُمْ: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ} فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: " «لَوْ نَزَلَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ عَذَابٌ لَمَا نَجَا مِنْهُ إِلَّا عُمَرُ» " (٢) لِأَنَّهُ كَانَ قَدْ أَشَارَ بِقَتْلِهِمْ، وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ كَانَ بِالِاجْتِهَادِ لَا بِالْوَحْيِ.

وَأَيْضًا قَوْلُهُ تَعَالَى: {عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ} عَاتَبَهُ عَلَى ذَلِكَ وَنَسَبَهُ إِلَى الْخَطَأِ، وَذَلِكَ لَا يَكُونُ فِيمَا حَكَمَ فِيهِ بِالْوَحْيِ، فَلَمْ يَبْقَ سِوَى الِاجْتِهَادِ وَلَيْسَ ذَلِكَ خَاصًّا بِالنَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ، بَلْ كَانَ غَيْرُهُ أَيْضًا مِنَ الْأَنْبِيَاءِ مُتَعَبَّدًا بِذَلِكَ.

وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَدَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ} الْآيَةَ، وَقَوْلُهُ: {فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا} ، وَمَا يُذْكَرُ بِالتَّفْهِيمِ إِنَّمَا يَكُونُ بِالِاجْتِهَادِ لَا بِطْرِيقِ الْوَحْيِ. (٣) وَأَمَّا السُّنَّةُ فَمَا رَوَى الشَّعْبِيُّ أَنَّهُ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْضِي الْقَضِيَّةَ وَيَنْزِلُ الْقُرْآنُ بَعْدَ ذَلِكَ بِغَيْرِ مَا كَانَ قَضَى بِهِ، فَيَتْرُكُ مَا قَضَى بِهِ عَلَى حَالِهِ، وَيَسْتَقْبِلُ مَا نَزَلَ بِهِ


(١) انْظُرِ اسْتِدْلَالَهُ هُنَا بِعُمُومِ (مَا) عَلَى مَطْلُوبِهِ، وَمَا اخْتَارَهُ فِي صِيَغِ الْعُمُومِ فِيمَا تَقَدَّمَ.
(٢) قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَلَمْ يَكُنْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَحَدٌ مِمَّنْ حَضَرَ إِلَّا أَحَبَّ الْغَنَائِمَ إِلَّا عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فَإِنَّهُ أَشَارَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ بِقَتْلِ الْأَسْرَى وَسَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ قَالَ: الْإِثْخَانُ فِي الْقَتْلِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنِ اسْتِبْقَاءِ الرِّجَالِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ: لَوْ نَزَلَ عَذَابٌ مِنَ السَّمَاءِ مَا نَجَا مِنْهُ غَيْرُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَسَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ. انْظُرْ مُخْتَصَرَ السِّيرَةِ لِلشَّيْخِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْوَهَّابِ، وَتَفْسِيرَ ابْنِ جَرِيرٍ الطَّبَرِيِّ لِآيَتَيِ الْعِتَابِ عَلَى أَخْذِ الْفِدَاءِ، وَتَخْرِيجَ ابْنِ حَجَرٍ لِأَحَادِيثِ الْكَشَّافِ.
(٣) لِلْمُخَالِفِ أَنْ يَمْنَعَ تَخْصِيصَ التَّفْهِيمِ بِمَا يَكُونُ عَنِ اجْتِهَادٍ لِجَوَازٍ أَنْ يَكُونَ إِلْهَامًا، وَالْإِلْهَامُ نَوْعٌ مِنَ الْوَحْيِ، وَأَقْرَبُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ تَخْصِيصَ سُلَيْمَانَ بِالتَّفْهِيمِ قَدْ يَدُلُّ عَلَى خَطَأِ دَاوُدَ فِي حُكْمِهِ فَيَتَعَيَّنُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنْهُ عَنِ اجْتِهَادٍ.

<<  <  ج: ص:  >  >>