للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْقُرْآنُ، وَالْحُكْمُ بِغَيْرِ الْقُرْآنِ لَا يَكُونُ إِلَّا بِاجْتِهَادٍ. (١) وَأَيْضًا مَا رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ فِي مَكَّةَ: «لَا يُخْتَلَى خَلَاهَا وَلَا يُعْضَدُ شَجَرُهَا. فَقَالَ الْعَبَّاسُ: إِلَّا الْإِذْخِرَ، فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: " إِلَّا الْإِذْخِرَ» ". (٢) وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْوَحْيَ لَمْ يَنْزِلْ عَلَيْهِ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ فَكَانَ الِاسْتِثْنَاءُ بِالِاجْتِهَادِ.

وَأَيْضًا مَا رُوِيَ عَنْهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّهُ قَالَ: " «الْعُلَمَاءُ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ» " (٣) وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ مُتَعَبَّدًا بِالِاجْتِهَادِ، وَإِلَّا لَمَا كَانَتْ عُلَمَاءُ أُمَّتِهِ وَارِثَةً لِذَلِكَ عَنْهُ، وَهُوَ خِلَافُ الْخَبَرِ.

وَأَمَّا الْمَعْقُولُ فَمِنْ وَجْهَيْنِ:

الْأَوَّلُ: أَنَّ الْعَمَلَ بِالِاجْتِهَادِ أَشَقُّ مِنَ الْعَمَلِ بِدَلَالَةِ النَّصِّ لِظُهُورِهِ؛ وَزِيَادَةٌ الْمَشَقَّةِ سَبَبٌ لِزِيَادَةِ الثَّوَابِ، لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ لِعَائِشَةَ: " «ثَوَابُكِ عَلَى قَدْرِ نَصَبِكِ» " (٤) ، وَقَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: " «أَفْضَلُ الْعِبَادَاتِ أَحْمَدُهَا» " (٥) ، أَيْ أَشَقُّهَا، فَلَوْ لَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَامِلًا بِالِاجْتِهَادِ مَعَ عَمَلِ أُمَّتِهِ بِهِ لَزِمَ اخْتِصَاصُهُمْ بِفَضِيلَةٍ لَمْ تُوجَدْ لَهُ، وَهُوَ مُمْتَنِعٌ، فَإِنَّ آحَادَ أُمَّةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَكُونُ أَفْضَلَ مِنَ النَّبِيِّ فِي شَيْءٍ أَصْلًا.


(١) وَالْحُكْمُ بِغَيْرِ الْقُرْآنِ لَا يَكُونُ إِلَّا بِاجْتِهَادٍ - هَذَا غَيْرُ مُسَلَّمٍ ; إِذِ الْوَحْيُ مِنْهُ مَا هُوَ قُرْآنٌ يُتْلَى وَمِنْهُ سُنَّةٌ نَبَوِيَّةٌ، إِلَّا أَنْ يُرِيدَ بِغَيْرِ الْقُرْآنِ مَا كَانَ مُنَاقِضًا لَهُ.
(٢) جُزْءٌ مِنْ حَدِيثٍ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ.
(٣) جُزْءٌ مِنْ حَدِيثٍ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْأَرْبَعَةُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي الدَّرْدَاءِ وَأَوَّلُهُ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ: مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَطْلُبُ مِنْهُ عِلْمًا سَلَكَ اللَّهُ بِهِ طَرِيقًا مِنْ طُرُقِ الْجَنَّةِ. وَقَدْ صَحَّحَ الْحَدِيثَ ابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ وَجَمَاعَةٌ، وَضَعَّفَهُ آخَرُونَ لِلِاضْطِرَابِ فِي سَنَدِهِ، وَحَسَّنَهُ جَمَاعَةٌ لِمَا لَهُ مِنَ الشَّوَاهِدِ. انْظُرِ الْكَلَامَ عَلَيْهِ فِي كَشْفِ الْخَفَاءِ لِلْعَجْلُونِيِّ
(٤) تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ تَعْلِيقًا ص ١٤٠ ج٣
(٥) قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: لَا يُعْرَفُ. وَقَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ فِي شَرْحِ الْمَنَازِلِ: لَا أَصْلَ لَهُ. وَقَالَ الْمِزِّيُّ: هُوَ مِنْ غَرَائِبِ الْحَدِيثِ. وَلَمْ يَرِدْ فِي شَيْءٍ مِنَ الْكُتُبِ السِّتَّةِ، وَقَدْ ذَكَرَهُ السُّيُوطِيُّ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ بِلَفْظِ: (خَيْرُ الْعِبَادَةِ أَخَفُّهَا) ، وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: رُوِيَ بِالْمُوَحَّدَةِ وَبِالْمُثَنَّاةِ التَّحْتِيَّةِ، " أَيِ الْعِبَادَةِ أَوِ الْعِيَادَةِ "، وَهُوَ فِي مَجْمَعِ الزَّوَائِدِ بِلَفْظِ خَيْرُ دِينِكُمْ أَيْسَرُهُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>