للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَعَنِ الْآيَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّهَا إِنَّمَا تَدُلُّ عَلَى أَنَّ تَبْدِيلَهُ لِلْقُرْآنِ لَيْسَ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِهِ، وَإِنَّمَا هُوَ بِالْوَحْيِ، وَالنِّزَاعُ إِنَّمَا وَقَعَ فِي الِاجْتِهَادِ، وَالِاجْتِهَادُ وَإِنْ وَقَعَ فِي دَلَالَةِ الْقُرْآنِ فَذَلِكَ تَأْوِيلٌ لَا تَبْدِيلٌ.

وَعَنِ الْمُعَارَضَةِ الْأُولَى مِنْ جِهَةِ الْمَعْقُولِ: أَنَّ الْمُرَاجَعَةَ إِنَّمَا كَانَتْ فِي أَمْرٍ دُنْيَوِيٍّ مُتَعَلِّقٍ بِالْحُرُوبِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ مِنَ الْمُرَاجَعَةِ فِي أَحْكَامِ الشَّرْعِ فِي شَيْءٍ.

وَعَنِ الثَّانِيَةِ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّ مَا ذَكَرُوهُ مِنْ لَوَازِمِ الْأَحْكَامِ الثَّابِتَةِ بِالِاجْتِهَادِ، بِدَلِيلِ إِجْمَاعِ الْأُمَّةِ عَلَى الِاجْتِهَادِ، وَاجْتِهَادُ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَا يَتَقَاصَرُ عَنِ اجْتِهَادِ الْأُمَّةِ الَّذِينَ ثَبَتَتْ عِصْمَتُهُمْ بِقَوْلِ الرَّسُولِ إِنْ لَمْ يَكُنْ مُتَرَجِّحًا عَلَيْهِ.

وَعَنِ الثَّالِثَةِ: أَنَّهُ لَا مَانِعَ أَنْ يَكُونَ مُتَعَبَّدًا بِالِاجْتِهَادِ، وَإِنْ لَمْ يُظْهِرْهُ صَرِيحًا لِمَعْرِفَةِ ذَلِكَ لَمَا ذَكَرْنَاهُ مِنَ الْأَدِلَّةِ.

وَأَمَّا تَأَخُّرُهُ عَنْ جَوَابِ بَعْضِ مَا كَانَ يُسْأَلُ عَنْهُ فَلِاحْتِمَالِ انْتِظَارِ النَّصِّ الَّذِي لَا يَجُوزُ مَعَهُ الِاجْتِهَادُ إِلَى حِينِ الْيَأْسِ مِنْهُ؛ أَوْ لِأَنَّهُ كَانَ فِي مُهْلَةِ النَّظَرِ فِي الِاجْتِهَادِ فِيمَا سُئِلَ عَنْهُ، فَإِنَّ زَمَانَ الِاجْتِهَادِ فِي الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ غَيْرُ مُقَدَّرٍ. (١) وَعَنِ الرَّابِعَةِ: النَّقْضُ بِمَا وَقَعَ الْإِجْمَاعُ عَلَيْهِ مِنْ تَعَبُّدِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِالْحُكْمِ بِقَوْلِ الشُّهُودِ حَتَّى قَالَ: " إِنَّكُمْ لَتَخْتَصِمُونَ إِلَيَّ، وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَلْحَنُ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ " مَعَ إِمْكَانِ انْتِظَارِهِ فِي ذَلِكَ لِنُزُولِ الْوَحْيِ الَّذِي لَا رَيْبَ فِيهِ. (٢)


(١) أَوْ لِأَنَّ الْمَسْأَلَةَ لَيْسَتْ مِنْ مَسَائِلِ الِاجْتِهَادِ.
(٢) مَا ذُكِرَ فِي الْحَدِيثِ مِنَ الِاجْتِهَادِ إِنَّمَا هُوَ تَطْبِيقٌ لِمَا سَبَقَ أَنْ شُرِعَ مِنَ الْأَحْكَامِ بِالْوَحْيِ عَلَى الْوَقَائِعِ وَالْقَضَايَا الْجُزْئِيَّةِ، وَيُسَمَّى اجْتِهَادًا بِالْمَعْنَى الْعَامِّ، وَلَيْسَ مَحَلَّ النِّزَاعِ، إِنَّمَا النِّزَاعُ فِي الِاجْتِهَادِ بِالْمَعْنَى الْخَاصِّ وَمُوَاثَبَاتِ الْحُكْمِ تَشْرِيعًا، وَتَقْعِيدُهُ وَتَأْصِيلُهُ لِيَكُونَ شَرِيعَةً لِلْأُمَّةِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>