للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مِنْ غَيْرِهِمْ عَلَى مَا قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: " «خَيْرُ الْقُرُونِ الْقَرْنُ الَّذِي أَنَا فِيهِ» ". (١) أَتَمُّ مِنَ الْوُثُوقِ بِاجْتِهَادِ غَيْرِ الصَّحَابِيِّ، وأَمَّا مِثْلُ هَذَا التَّفَاوُتِ فَغَيْرُ وَاقِعٍ بَيْنِ الصَّحَابَةِ.

وَعَلَى هَذَا فَلَا يَلْزَمُ مِنْ جَوَازِ تَقْلِيدِ غَيْرِ الصَّحَابِيِّ لِلصَّحَابِيِّ تَقْلِيدُ الصَّحَابِيِّ لِلصَّحَابِيِّ.

وَعَنِ الرَّابِعَةِ: أَنَّ الْخَبَرَ لَا يَخْلُو: إِمَّا أَنْ يَكُونَ صَرِيحًا فِي مُنَاقَضَةِ مَذْهَبِ الصَّحَابِيِّ، أَوْ لَا يَكُونَ صَرِيحًا، بَلْ دَلَالَتُهُ عَلَى ذَلِكَ ظَنِّيَّةٌ اجْتِهَادِيَّةٌ.

فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلَ: فَلَا خَفَاءَ فِي امْتِنَاعِ تَقْلِيدِ الصَّحَابِيِّ مَعَهُ، كَمَا يَمْتَنِعُ عَلَى الصَّحَابِيِّ الْعَمَلُ بِرَأْيِهِ مَعَ ذَلِكَ الْخَبَرِ. وَإِنْ كَانَ الثَّانِيَ: فَلَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الصَّحَابِيِّ الرُّجُوعُ إِلَيْهِ مَعَ اسْتِمْرَارِهِ عَلَى اعْتِقَادِ مَا رَآهُ أَوَّلًا، وَتَرْجِيحُ مَا أَدَّاهُ إِلَيْهِ اجْتِهَادُهُ عَلَى ذَلِكَ الْخَبَرِ، وَعَلَى ذَلِكَ فَلَا يَمْتَنِعُ تَقْلِيدُ الصَّحَابِيِّ مَعَ وُجُودِ ذَلِكَ الْخَبَرِ.

وَالْمُعْتَمَدُ فِي الْمَسْأَلَةِ أَنْ يُقَالَ: الْقَوْلُ بِجَوَازِ التَّقْلِيدِ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ وَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ دَلِيلٍ، وَالْأَصْلُ عَدَمُ ذَلِكَ الدَّلِيلِ، فَمَنِ ادَّعَاهُ يَحْتَاجُ إِلَى بَيَانِهِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ جَوَازِ ذَلِكَ فِي حَقِّ الْعَامِّيِّ الْعَاجِزِ عَنِ التَّوَصُّلِ إِلَى تَحْصِيلِ مَطْلُوبِهِ مِنَ الْحُكْمِ جَوَازُ ذَلِكَ فِي حَقِّ مَنْ لَهُ أَهْلِيَّةُ التَّوَصُّلِ إِلَى الْحُكْمِ، وَهُوَ قَادِرٌ عَلَيْهِ، وَوُثُوقُهُ بِهِ أَتَمُّ مِمَّا هُوَ مُقَلِّدٌ فِيهِ لِمَا سَبَقَ.

فَإِنْ قِيلَ: دَلِيلُ جَوَازِ التَّقْلِيدِ فِي حَقِّ مَنْ لَمْ يَجْتَهِدْ، وَإِنْ كَانَتْ لَهُ أَهْلِيَّةُ الِاجْتِهَادِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالْإِجْمَاعُ وَالْمَعْقُولُ.

أَمَّا الْكِتَابُ: فَقَوْلُهُ تَعَالَى: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} أَمْرٌ بِالسُّؤَالِ وَأَدْنَى دَرَجَاتِهِ جَوَازُ اتِّبَاعِ الْمَسْئُولِ وَاعْتِقَادُ قَوْلِهِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ مَنْ لَمْ يَعْلَمْ شَيْئًا أَصْلًا، بَلْ مَنْ لَمْ يَعْلَمْ تِلْكَ الْمَسْأَلَةَ وَمَنْ لَمْ يَجْتَهِدْ فِي الْمَسْأَلَةِ، وَإِنْ كَانَتْ لَهُ أَهْلِيَّةُ الِاجْتِهَادِ فِيهَا غَيْرَ عَالِمٍ بِهَا، فَكَانَ دَاخِلًا تَحْتَ عُمُومِ الْآيَةِ.

وَأَيْضًا قَوْلُهُ تَعَالَى: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} وَالْمُرَادُ (بِأُولِي الْأَمْرِ) الْعُلَمَاءُ، أَمَرَ غَيْرَ الْعَالِمِ بِطَاعَةِ الْعَالِمِ، وَأَدْنَى دَرَجَاتِهِ جَوَازُ اتِّبَاعِهِ فِيمَا هُوَ مَذْهَبُهُ.

وَأَمَّا السُّنَّةُ: فَقَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: " «أَصْحَابِي كَالنُّجُومِ بِأَيِّهِمُ اقْتَدَيْتُمْ» " (٢)


(١) تَقَدَّمَ ص ١٥٠ ج ٤.
(٢) تَقَدَّمَ ص ٢٣٢ ج ١، ص١٥٠ ج ٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>