للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمَعْرِفَةِ بِرَاوِيهِ، وَالْجَهَالَةِ بِرَاوِي الْآخَرِ، وَلِهَذَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْفَرْعِ إِذَا عُرِفَ شَاهِدُ الْأَصْلِ، وَلَا تُقْبَلُ إِذَا شَهِدَ مُرْسَلًا.

فَإِنْ قِيلَ: الرَّاوِي إِذَا كَانَ عَدْلًا ثِقَةً وَأَرْسَلَ الْخَبَرَ، فَالْغَالِبُ أَنْ لَا يَكُونَ إِلَّا مَعَ الْجَزْمِ بِتَعْدِيلِ مَنْ رَوَى عَنْهُ، وَإِلَّا كَانَ ذَلِكَ تَلْبِيسًا عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَهُوَ بَعِيدٌ فِي حَقِّهِ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إِذَا ذَكَرَ الْمَرْوِيَّ عَنْهُ، فَإِنَّهُ غَيْرُ جَازِمٍ بِتَعْدِيلِهِ فَكَانَ الْمُرْسَلُ أَوْلَى. (١) قُلْنَا: التَّلْبِيسُ إِنَّمَا يَلْزَمُ بِرِوَايَتِهِ عَمَّنْ لَمْ يَذْكُرْهُ إِذَا لَمْ يَكُنْ لِي نَفْسُ الْأَمْرِ عَدْلًا أَنْ لَوْ وَجَبَ اتِّبَاعُهُ فِي قَوْلِهِ، وَإِنَّمَا يَجِبُ اتِّبَاعُهُ فِي قَوْلِهِ أَنْ لَوْ ظَهَرَتْ عَدَالَةُ الْأَصْلِ، وَهُوَ دَوْرٌ كَيْفَ وَأَنَّهُ لَوْ كَانَ ذَلِكَ تَعْدِيلًا مِنْهُ لِكَوْنِهِ تَعْدِيلًا مُطْلَقًا، وَإِنْ كَانَ مَقْبُولًا فَإِنَّمَا يُقْبَلُ إِذَا كَانَ مُضَافًا إِلَى شَخْصٍ مُعَيَّنٍ لَمْ يُعْرَفْ بِفِسْقٍ.

وَأَمَّا إِذَا كَانَ غَيْرَ مُعَيَّنٍ فَلَا لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ بِحَيْثُ لَوْ عَيَّنَهُ لَاطَّلَعْنَا مِنْ حَالِهِ عَلَى فِسْقٍ قَدْ جَهِلَهُ الرَّاوِي، ثُمَّ وَلَوْ كَانَ تَعْدِيلًا مَقْبُولًا إِلَّا أَنَّهُ إِذَا كَانَ مَذْكُورًا مَشْهُورَ الْحَالِ، وَقَدْ عَدَلَ بِمِثْلِ ذَلِكَ التَّعْدِيلِ أَوْ أَعْلَى مِنْهُ كَانَ قَبُولُ قَوْلِهِ أَوْلَى وَأَغْلَبَ عَلَى الظَّنِّ، وَعَدَمُ جَزْمِ الرَّاوِي بِعَدَالَةِ الْمَرْوِيِّ عَنْهُ إِذَا كَانَ مُصَرَّحًا بِهِ، وَجَزْمِهِ بِعَدَالَةِ مَنْ سَكَتَ عَنْ ذِكْرِهِ بَعْدَ أَنْ ظَهَرَ تَعْدِيلُ الْمَذْكُورِ بِتَعْدِيلِ غَيْرِهِ لَا يَكُونُ مُوجِبًا لِلتَّرْجِيحِ، بَلْ مَنْ ظَهَرَتْ عَدَالَتُهُ بِطَرِيقٍ مُتَّفَقٍ عَلَيْهِ يَكُونُ أَوْلَى مِمَّنْ ظَهَرَتْ عَدَالَتُهُ بِطَرِيقٍ مُخْتَلَفٍ فِيهِ.

الثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ أَحَدُ الْخَبَرَيْنِ مِنْ مَرَاسِيلِ التَّابِعِينَ وَالْآخَرُ مِنْ مَرَاسِيلِ تَابِعِي التَّابِعِينَ، فَمَا هُوَ مِنْ مَرَاسِيلِ التَّابِعِينَ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنَ التَّابِعِيِّ أَنَّهُ لَا يَرْوِي عَنْ غَيْرِ الصَّحَابِيِّ، وَعَدَالَةُ الصَّحَابَةِ بِمَا ثَبَتَ مِنْ ثَنَاءِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَتَزْكِيَتِهِ لَهُمْ فِي ظَوَاهِرِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ أَغْلَبُ عَلَى الظَّنِّ مِنَ الْعَدَالَةِ فِي حَقِّ غَيْرِهِمْ مِنَ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَلِهَذَا قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: " «خَيْرُ الْقُرُونِ الْقَرْنُ الَّذِي أَنَا فِيهِ» " (٢) ، وَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: " «أَصْحَابِي كَالنُّجُومِ


(١) انْظُرْ هَذَا الِاعْتِرَاضَ وَجَوَابَهُ عَنْهُ مَعَ مَا تَقَدَّمَ مِنِ اخْتِيَارِهِ لِلِاحْتِجَاجِ بِالْمُرْسَلِ وَاسْتِدْلَالِهِ عَلَيْهِ بِدَلِيلِ الْعَقْلِ وَمُنَاقَشَتِهِ وَإِجَابَتِهِ عَنْهَا فِي الْمَسْأَلَةِ الْعَاشِرَةِ مِنْ مَسَائِلِ الْقِسْمِ الرَّابِعِ فِيمَا اخْتُلِفَ فِي رَدِّ خَبَرِ الْوَاحِدِ بِهِ ج ٢ وَص ١٧١ ج٤.
(٢) انْظُرِ التَّعْلِيقَ ص ١٥٠ ج ٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>