للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ بَيَانًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ} ، وَنَحْوِهِ.

وَالْبَيَانُ تَابِعٌ لِلْمُبَيَّنِ فِي الْوُجُوبِ وَالنَّدْبِ وَالْإِبَاحَةِ.

وَأَمَّا مَا لَمْ يَقْتَرِنْ بِهِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لِلْبَيَانِ لَا نَفْيًا وَلَا إِثْبَاتًا فَإِمَّا أَنْ يَظْهَرَ فِيهِ قَصْدُ الْقُرْبَةِ أَوْ لَمْ يَظْهَرْ.

فَإِنْ ظَهَرَ فِيهِ قَصْدُ الْقُرْبَةِ، فَقَدِ اخْتَلَفُوا فِيهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: إِنَّ فِعْلَهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ مَحْمُولٌ عَلَى الْوُجُوبِ فِي حَقِّهِ وَفِي حَقِّنَا، كَابْنِ سُرَيْجٍ وَالْإِصْطَخْرِيِّ، وَابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَابْنِ خَيْرَانَ وَالْحَنَابِلَةِ وَجَمَاعَةٍ مِنَ الْمُعْتَزِلَةِ.

وَمِنْهُمْ مَنْ صَارَ إِلَى أَنَّهُ لِلنَّدْبِ.

وَقَدْ قِيلَ: إِنَّهُ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَهُوَ اخْتِيَارُ إِمَامِ الْحَرَمَيْنِ.

وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: إِنَّهُ لِلْإِبَاحَةِ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: بِالْوَقْفِ، وَهُوَ مَذْهَبُ جَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ كَالصَّيْرَفِيِّ وَالْغَزَالِيِّ وَجَمَاعَةٍ مِنَ الْمُعْتَزِلَةِ.

وَأَمَّا مَا لَمْ يَظْهَرْ فِيهِ قَصْدُ الْقُرْبَةِ، فَقَدِ اخْتَلَفُوا أَيْضًا فِيهِ عَلَى نَحْوِ اخْتِلَافِهِمْ فِيمَا ظَهَرَ فِيهِ قَصْدُ الْقُرْبَةِ غَيْرَ أَنَّ الْقَوْلَ بِالْوُجُوبِ وَالنَّدْبِ فِيهِ أَبْعَدُ مِمَّا ظَهَرَ فِيهِ قَصْدُ الْقُرْبَةِ، وَالْوَقْفُ وَالْإِبَاحَةُ أَقْرَبُ.

وَبَعْضُ مَنْ جَوَّزَ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ الْمَعَاصِي قَالَ: إِنَّهَا عَلَى الْخَطَرِ.

وَالْمُخْتَارُ أَنَّ كُلَّ فِعْلٍ لَمْ يَقْتَرِنْ بِهِ دَلِيلٌ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ قُصِدَ بِهِ بَيَانُ خِطَابٍ سَابِقٍ فَإِنْ ظَهَرَ فِيهِ قَصْدُ الْقُرْبَةِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى فَهُوَ دَلِيلٌ فِي حَقِّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَلَى الْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ الْوَاجِبِ وَالْمَنْدُوبِ، وَهُوَ تَرْجِيحُ الْفِعْلِ عَلَى التَّرْكِ لَا غَيْرَ، وَأَنَّ الْإِبَاحَةَ وَهِيَ اسْتِوَاءُ الْفِعْلِ وَالتَّرْكِ فِي رَفْعِ الْحَرَجِ خَارِجَةٌ عَنْهُ، وَكَذَلِكَ فِي حَقِّ أُمَّتِهِ.

وَمَا لَمْ يَظْهَرْ فِيهِ قَصْدُ الْقُرْبَةِ، فَهُوَ دَلِيلٌ فِي حَقِّهِ عَلَى الْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ الْوَاجِبِ وَالْمَنْدُوبِ وَالْمُبَاحِ، وَهُوَ رَفْعُ الْحَرَجِ عَنِ الْفِعْلِ، لَا غَيْرَ وَكَذَلِكَ عَنْ أُمَّتِهِ.

وَأَمَّا (١) إِذَا ظَهَرَ مِنْ فِعْلِهِ قَصْدُ الْقُرْبَةِ ; فَلِأَنَّ الْقُرْبَةَ غَيْرُ خَارِجَةٍ عَنِ الْوَاجِبِ وَالْمَنْدُوبِ، وَالْقَدْرُ الْمُشْتَرَكُ بَيْنَهُمَا إِنَّمَا هُوَ تَرْجِيحُ الْفِعْلِ عَلَى التَّرْكِ، وَالْفِعْلُ دَلِيلٌ قَاطِعٌ عَلَيْهِ.


(١) فِيهِ تَحْرِيفٌ وَالصَّوَابُ: أَمَّا، أَوْ فَأَمَّا.

<<  <  ج: ص:  >  >>