للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَقْرَبُ مَذْكُورٍ حَيْثُ قَالَ بَعْدَ ذِكْرِ الرَّسُولِ: {قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذًا} (١) ، فَكَانَ عَوْدُهُ إِلَيْهِ أَوْلَى.

وَعَنِ الْآيَةِ الثَّالِثَةِ بِمَنْعِ دَلَالَةِ الْأَمْرِ عَلَى الْوُجُوبِ وَإِنْ سَلَّمْنَا ذَلِكَ، وَلَكِنْ إِنَّمَا يَكُونُ أَخْذُ مَا أَتَانَا بِهِ وَاجِبًا إِذَا كَانَ مَا أَتَى بِهِ وَاجِبًا.

وَأَمَّا إِذَا لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا فَأَخْذُهُ لَا يَكُونُ وَاجِبًا، فَإِنَّ الْقَوْلَ بِوُجُوبِ فِعْلٍ لَا يَكُونُ وَاجِبًا تَنَاقُضٌ فِي اللَّفْظِ وَالْمَعْنَى.

وَعِنْدَ ذَلِكَ فَتَتَوَقَّفُ دَلَالَةُ الْآيَةِ عَلَى الْوُجُوبِ عَلَى كَوْنِ الْفِعْلِ الْمَأْتِيِّ بِهِ وَاجِبًا، وَوُجُوبُهُ إِذَا تَوَقَّفَ عَلَى دَلَالَةِ الْآيَةِ عَلَى وُجُوبِهِ كَانَ دَوْرًا (٢) .

كَيْفَ وَإِنَّ فِي الْآيَةِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِوُجُوبِ أَخْذِهِ إِنَّمَا هُوَ الْأَمْرُ بِمَعْنَى الْقَوْلِ حَيْثُ إِنَّهُ قَابَلَهُ بِالنَّهْيِ بِقَوْلِهِ: {وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} ، وَالنَّهْيُ لَا يَكُونُ إِلَّا بِالْقَوْلِ، وَكَذَلِكَ الْأَمْرُ الْمُقَابِلُ لَهُ.

وَعَنِ الْآيَةِ الرَّابِعَةِ مِنْ وَجْهَيْنِ: الْوَجْهُ الْأَوَّلُ أَنَّا نَقُولُ: الْمُرَادُ بِالتَّأَسِّي بِهِ فِي فِعْلِهِ أَنْ نَسْتَخِيرَ لِأَنْفُسِنَا مَا اسْتَخَارَهُ لِنَفْسِهِ، وَأَنْ لَا نَعْتَرِضَ عَلَيْهِ فِيمَا يَفْعَلُهُ، أَوْ مَعْنًى آخَرَ:

الْأَوَّلُ: مُسَلَّمٌ وَلَكِنْ لَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ مَا اسْتَخَارَهُ لِنَفْسِهِ وَاجِبًا حَتَّى يَكُونَ مَا نَسْتَخِيرُهُ نَحْنُ لِأَنْفُسِنَا وَاجِبًا.

وَالثَّانِي: مَمْنُوعٌ.

الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ الْمُرَادَ بِالتَّأَسِّي بِهِ فِي فِعْلِهِ أَنْ نُوقِعَ الْفِعْلَ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي أَوْقَعَهُ هُوَ عَلَيْهِ السَّلَامُ حَتَّى إِنَّهُ لَوْ صَلَّى وَاجِبًا وَصَلَّيْنَا مُتَنَفِّلِينَ أَوْ بِالْعَكْسِ، فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَكُونُ تَأَسِّيًا بِهِ، وَلَمْ يَثْبُتْ كَوْنُ مَا فَعَلَهُ وَاجِبًا حَتَّى يَكُونَ مَا نَفْعَلُهُ نَحْنُ وَاجِبًا (٣) .

وَعَلَى هَذَيْنِ الْجَوَابَيْنِ يَخْرُجُ الْجَوَابُ عَنِ الْآيَةِ الْخَامِسَةِ.

وَعَنِ الْآيَةِ السَّادِسَةِ، أَنَّ الْمُرَادَ مِنَ الطَّاعَةِ إِنَّمَا هُوَ امْتِثَالُ أَمْرِهِ وَمُتَابَعَتُهُ فِي فِعْلِهِ


(١) جُمْلَةُ: قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ. . .) جَاءَتْ تَابِعَةً لِقَوْلِهِ تَعَالَى: " لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا " تَقْرِيرًا لِلنَّهْيِ وَتَهْدِيدًا لِمَنْ خَالَفَ فَكَانَ الْوَاجِبُ رُجُوعَ الضَّمِيرِ إِلَى الرَّسُولِ، فَإِنَّهُ الْمَقْصُودُ فِي الْآيَةِ بِالتَّحْذِيرِ مِنْ مُخَالَفَةِ أَمْرِهِ، عَلَى أَنَّ نُصُوصَ الشَّرِيعَةِ قَرَّرَتِ التَّلَازُمَ بَيْنَ طَاعَةِ اللَّهِ وَطَاعَةِ رَسُولِهِ، وَمَعْصِيَتِهِ اللَّهَ وَرَسُولَهَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ.
(٢) انْظُرِ التَّعْلِيقَ ص ١٧٩
(٣) الْأَوْلَى فَكَذَلِكَ تَفْرِيعًا عَلَى مَا قَبْلَهُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>