للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَعَنِ الْآيَةِ الثَّانِيَةِ، أَنْ يُقَالَ اسْمُ الْأَمْرِ وَإِنْ أُطْلِقَ عَلَى الْفِعْلِ وَالْقَوْلِ الْمَخْصُوصِ لَكِنَّهُ يَجِبُ اعْتِقَادُ كَوْنِهِ حَقِيقَةً فِي أَمْرٍ مُشْتَرَكٍ بَيْنَهُمَا، وَهُوَ الشَّأْنُ وَالصِّفَةُ (١) نَفْيًا لِلتَّجَوُّزِ وَالِاشْتِرَاكِ عَنِ اللَّفْظِ لِكَوْنِهِمَا عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ، وَعِنْدَ ذَلِكَ فَلَفْظُ الْأَمْرِ الْمُحَذَّرِ مِنْ مُخَالَفَتِهِ يَكُونُ مُطْلَقًا (٢) ، وَالْمُطْلَقُ إِذَا عُمِلَ بِهِ فِي صُورَةٍ فَقَدْ خَرَجَ عَنْ كَوْنِهِ حُجَّةً ضَرُورَةَ تَوْفِيَةِ الْعَمَلِ بِدَلَالَتِهِ.

وَقَدْ عَمِلَ بِهِ فِي الْقَوْلِ الْمَخْصُوصِ، فَلَا يَبْقَى حُجَّةً فِي الْفِعْلِ، سَلَّمْنَا أَنَّهُ غَيْرُ مُتَوَاطِئٍ وَلَكِنَّهُ مُجْمَعٌ عَلَى كَوْنِهِ حَقِيقَةً فِي الْقَوْلِ الْمَخْصُوصِ، وَمُخْتَلَفٌ فِي الْفِعْلِ، فَكَانَ حَمْلُهُ عَلَى الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ دُونَ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ أَوْلَى.

أَوْ سَلَّمْنَا أَنَّهُ حَقِيقَةٌ فِي الْفِعْلِ، لَكِنَّهُ يَكُونُ مُشْتَرَكًا (٣) وَعِنْدَ ذَلِكَ إِنْ قِيلَ بِأَنَّ اللَّفْظَ الْمُشْتَرَكَ يَمْتَنِعُ حَمْلُهُ عَلَى جَمِيعِ مَدْلُولَاتِهِ فَلَيْسَ حَمْلُهُ عَلَى التَّحْذِيرِ مِنْ مُخَالَفَةِ الْأَمْرِ بِمَعْنَى الْفِعْلِ أَوْلَى مِنَ الْقَوْلِ، وَإِنْ قِيلَ بِحَمْلِ اللَّفْظِ الْمُشْتَرَكِ عَلَى جَمِيعِ مَحَامِلِهِ، فَالتَّحْذِيرُ عَنْ مُخَالَفَةِ الْأَمْرِ يَتَوَقَّفُ عَلَى كَوْنِ الْمُحَذَّرِ مِنْهُ وَاجِبًا لِاسْتِحَالَةِ التَّحْذِيرِ مِنْ تَرْكِ مَا لَيْسَ وَاجِبًا.

وَعِنْدَ ذَلِكَ فَالْقَوْلُ بِالتَّحْذِيرِ مِنْ مُخَالَفَةِ الْفِعْلِ يَسْتَدْعِي وُجُوبَ ذَلِكَ الْفِعْلِ، وَوُجُوبُهُ إِذَا كَانَ لَا يُعْرَفُ إِلَّا مِنَ التَّحْذِيرِ كَانَ دَوْرًا.

كَيْفَ وَإِنَّهُ قَدْ تَقَدَّمَ فِي الْآيَةِ ذِكْرُ دُعَاءِ الرَّسُولِ بِقَوْلِهِ: {لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا} ، وَالْمُرَادُ بِالدُّعَاءِ إِنَّمَا هُوَ الْقَوْلُ، فَكَانَ الْأَمْرُ الْمَذْكُورُ بَعْدَهُ عَائِدًا إِلَى قَوْلِهِ.

ثُمَّ قَدْ أَمْكَنَ عَوْدُ الضَّمِيرِ فِي أَمْرِهِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى إِذْ هُوَ


(١) هَذَا الِاحْتِمَالُ هُوَ الَّذِي اخْتَارَهُ فِي مَبْحَثِ الْأَمْرِ فِي هَذَا الْكِتَابِ، لَكِنَّهُ ذَكَرَ مَا يَأْتِي مِنَ الِاحْتِمَالَاتِ عَلَى طَرِيقَةِ الْجَدَلِيِّينَ فِي الِاسْتِدْلَالِ وَالرَّدِّ، فَإِنَّهُمْ يَذْكُرُونَ فِي هَذَا الصَّدَدِ مَا يَعْتَقِدُونَ، وَمَا لَا يَعْتَقِدُونَ مِنَ الِاحْتِمَالَاتِ إِتْمَامًا لِلْمَطْلُوبِ فِيمَا يَرَوْنَ عَلَى كُلِّ وَجْهٍ وَاحْتِمَالٍ.
(٢) لَيْسَ بِمُطْلَقٍ بَلْ عَامٌّ، فَإِنَّ كَلِمَةَ (أَمْرٍ) اسْمُ جِنْسٍ مُضَافٌ لِلضَّمِيرِ فَكَانَ هَامًّا، وَعَلَى تَقْدِيرِ كَوْنِهِ مُطْلَقًا فِي نَفْسِهِ فَوُقُوعُهُ بَعْدَ التَّحْذِيرِ مِنْ مُخَالَفَتِهِ يَجْعَلُهُ عَامًّا ; إِذِ التَّحْذِيرُ مِنَ الْمُخَالَفَةِ نَهْيٌّ، وَهُوَ فِي مَعْنَى النَّفْيِ، وَعَلَى ذَلِكَ لَا يَكُونُ فِي الْعَمَلِ بِهِ فِي صُورَةِ تَوْفِيَةٍ لِلْعَمَلِ بِدَلَالَتِهِ.
(٣) أَيْ: لَفْظِيًّا.

<<  <  ج: ص:  >  >>