للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَكُونَ خَاصًّا بِهِ وَبَيْنَ أَنْ لَا يَكُونَ خَاصًّا بِهِ.

وَمَا لَيْسَ خَاصًّا بِهِ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ الْوَاجِبِ وَالْمَنْدُوبِ وَالْمُبَاحِ، وَالْفِعْلُ لَا صِيغَةَ لَهُ لِيَدُلَّ عَلَى الْبَعْضِ دُونَ الْبَعْضِ وَلَيْسَ الْبَعْضُ أَوْلَى مِنَ الْبَعْضِ فَلَزِمَ الْوَقْفُ إِلَى أَنْ يَقُومَ الدَّلِيلُ عَلَى التَّعْيِينِ.

وَالْجَوَابُ عَنْ شُبَهِ الْقَائِلِينَ بِالْوُجُوبِ.

أَمَّا عَنِ الْآيَةِ الْأُولَى، فَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ قَوْلَهُ: " فَاتَّبِعُوهُ " يَدُلُّ عَلَى الْوُجُوبِ (١) وَإِنْ سَلَّمْنَا ذَلِكَ وَلَكِنَّ قَوْلَهُ: " فَاتَّبِعُوهُ " صَرِيحٌ فِي اتِّبَاعِ شَخْصِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَهُوَ غَيْرُ مُرَادٍ، فَلَا بُدَّ مِنْ إِضْمَارِ الْمُتَابَعَةِ فِي أَقْوَالِهِ وَأَفْعَالِهِ.

وَالْإِضْمَارُ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ فَتَمْتَنِعُ الزِّيَادَةُ فِيهِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ، وَقَدْ أَمْكَنَ دَفْعُ الضَّرُورَةِ بِإِضْمَارِ أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ، وَلَيْسَ إِضْمَارُ الْمُتَابَعَةِ فِي الْفِعْلِ أَوْلَى مِنَ الْقَوْلِ، بَلْ إِضْمَارُ الْمُتَابَعَةِ فِي الْقَوْلِ أَوْلَى لِكَوْنِهِ مُتَّفَقًا عَلَيْهِ وَمُخْتَلَفًا فِي الْفِعْلِ (٢) .

كَيْفَ وَأَنَّ الْمُتَابَعَةَ فِي الْفِعْلِ إِنَّمَا يَتَحَقَّقُ وُجُوبُهَا، أَنْ لَوْ عَلِمَ كَوْنَ الْفِعْلِ الْمُتَّبَعِ وَاجِبًا، وَإِلَّا فَبِتَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ غَيْرَ وَاجِبٍ، فَمُتَابَعَةُ مَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ لَا تَكُونُ وَاجِبَةً وَلَمْ يَتَحَقَّقْ كَوْنُ فِعْلِهِ وَاجِبًا فَلَا تَكُونُ مُتَابَعَتُهُ وَاجِبَةً.


(١) الْأَدِلَّةُ مُتَضَافِرَةٌ عَلَى وُجُوبِ اتِّبَاعِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فِي كُلِّ مَا جَاءَ بِهِ مِنَ التَّشْرِيعِ فِعْلًا كَانَ أَوْ قَوْلًا، أَمْرًا أَوْ نَهْيًا، إِيمَانًا بِهِ وَتَسْلِيمًا لَهُ، وَعَمَلًا بِمُقْتَضَاهُ، إِلَّا أَنَّ الْمُتَّبَعَ فِيهِ مِنَ التَّشْرِيعِ لَيْسَ وِزَانًا وَاحِدًا فِي حُكْمِهِ، بَلْ جُزْئِيَّاتُهُ مُتَفَاوِتَةٌ فِي الرُّتْبَةِ فَمِنْهُ الْمَطْلُوبُ وَالْمَمْنُوعُ وَالْمُبَاحُ، فَكَانَ وَاجِبًا اتِّبَاعُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فِي كُلِّ ذَلِكَ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي بَيَّنَتْهُ الْأَدِلَّةُ التَّفْصِيلِيَّةُ، بِإِيجَابِ الْوَاجِبِ، وَنَدْبِ الْمَنْدُوبِ وَالْعَمَلِ بِكُلٍّ مِنْهُمَا فِي دَرَجَتِهِ، وَالتَّوَسُّعِ فِي الْمُبَاحِ بِفِعْلِهِ تَارَةً وَتَرْكِهِ تَارَةً أُخْرَى، وَمَنْعِ الْمُحَرَّمِ وَالْمَكْرُوِهِ، وَتَجَنُّبِ كُلٍّ مِنْهُمَا حَسَبَ دَرَجَتِهِ، وَبِالْجُمْلَةِ الْأَمْرُ ظَاهِرٌ فِي وُجُوبِ الِاتِّبَاعِ وَالْإِجْمَالِ، إِنَّمَا هُوَ فِي الْمُتَّبَعِ فِيهِ، فَلْيُرْجَعْ فِي بَيَانِ دَرَجَتِهِ إِلَى الْأَدِلَّةِ التَّفْصِيلِيَّةِ ; لِيَنْزِلَ عَلَى ضَوْئِهَا كُلُّ فِعْلٍ أَوْ قَوْلٍ مَنْزِلَتَهُ، وَهُوَ شَبِيهٌ فِي الْجُمْلَةِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: " إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ ". الْآيَةَ. انْظُرِ الْمَسْأَلَةَ السَّادِسَةَ مِنْ مَسَائِلِ الْأَوَامِرِ وَالنَّوَاهِي فِي كِتَابِ الْمُوَافَقَاتِ لِلشَّاطِبِيِّ.
(٢) لَيْسَ صَرِيحًا فِي اتِّبَاعِ شَخْصِهِ، بَلْ سَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى وُجُوبِ اتِّبَاعِ صِرَاطِ اللَّهِ، وَمُتَابَعَةِ كِتَابِهِ وَرَسُولِهِ عُمُومًا، كَمَا تَدُلُّ عَلَيْهِ النُّصُوصُ الْأُخْرَى، قَالَ تَعَالَى: " وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ " الْآيَةَ. وَقَالَ " (وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ) " وَقَالَ " (وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا) " الْآيَاتِ إِلَى قَوْلِهِ: " (وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) ".

<<  <  ج: ص:  >  >>