للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْأَوَّلُ: أَنَّا نَقُولُ بِمُوجِبِهَا، وَذَلِكَ أَنَّ الْعَمَلَ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ وَوُجُوبِ اتِّبَاعِهِ إِنَّمَا هُوَ بِدَلِيلٍ مَقْطُوعٍ بِهِ، مُفِيدٌ لِلْعِلْمِ بِذَلِكَ، وَهُوَ الْإِجْمَاعُ.

الثَّانِي: أَنَّهُ لَازِمٌ عَلَى الْخُصُومِ فِي اعْتِقَادِهِمُ امْتِنَاعَ التَّعَبُّدِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ، إِذْ هُوَ مَعْلُومٌ بِدَلِيلٍ قَاطِعٍ، بَلْ غَايَتُهُ أَنْ يَكُونَ مَظْنُونًا لَهُمْ، فَالْآيَاتُ مُشْتَرِكَةُ الدَّلَالَةِ، فَكَمَا تَدُلُّ عَلَى امْتِنَاعِ اتِّبَاعِ خَبَرِ الْوَاحِدِ، تَدُلُّ عَلَى امْتِنَاعِ الْقَوْلِ بِعَدَمِ اتِّبَاعِهِ، وَإِذَا تَعَارَضَتْ جِهَاتُ الدَّلَالَةِ فِيهَا، امْتَنَعَ الْعَمَلُ بِهَا، وَسَلِمَ لَنَا مَا ذَكَرْنَاهُ (١) .

وَعَلَى هَذَا، نَقُولُ بِجَوَازِ وُرُودِ التَّعَبُّدِ بِقَبُولِ خَبَرِ الْفَاسِقِ وَالصَّبِيِّ عَقْلًا، إِذَا غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ صِدْقُهُ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ غَيْرَ وَاقِعٍ (٢) .

وَمَا ذَكَرُوهُ مِنَ الْمُعَارَضَاتِ الْعَقْلِيَّةِ، فَجَوَابُهَا مِنْ وَجْهَيْنِ؛ أَحَدُهُمَا عَامٌّ لِلْكُلِّ، وَالثَّانِي خَاصٌّ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا.

أَمَّا الْعَامُّ فَهُوَ أَنَّ مَا ذَكَرُوهُ إِلْزَامًا عَلَيْنَا فِي خَبَرِ الْوَاحِدِ، فَهُوَ لَازِمٌ عَلَيْهِمْ فِي وُرُودِ التَّعَبُّدِ بِقَبُولِ قَوْلِ الشَّاهِدَيْنِ وَالْمُفْتِي، فَمَا هُوَ جَوَابُهُمْ عَنْهُ يَكُونُ جَوَابًا لَنَا فِي خَبَرِ الْوَاحِدِ.

وَأَمَّا مَا يَخُصُّ كُلَّ مُعَارَضَةٍ: أَمَّا الْأُولَى، فَالْجَوَابُ عَنْهَا مِنْ وَجْهَيْنِ.

الْأَوَّلُ: هُوَ أَنَّ دَعْوَى الْوَاحِدِ لِلرِّسَالَةِ وَنُزُولَ الْوَحْيِ إِلَيْهِ مِنْ أَنْدَرِ الْأَشْيَاءِ، فَإِذَا لَمْ يَقْتَرِنْ بِدَعْوَاهُ مَا يُوجِبُ الْقَطْعَ بِصِدْقِهِ فَلَا يُتَصَوَّرُ حُصُولُ الظَّنِّ بِصِدْقِهِ


(١) هَذَا جَوَابٌ جَدَلِيٌّ إِلْزَامِيٌّ يُرَادُ بِهِ إِسْكَاتُ الْخَصْمِ لَا بَيَانُ الْحَقِّ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْعِلْمِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: (وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ) ، وَقَوْلِهِ: (وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ) مَا يَشْمَلُ الْإِدْرَاكَ الْجَازِمَ وَالظَّنَّ الرَّاجِحَ، وَالْمُرَادُ بِالظَّنِّ فِي قَوْلِهِ: (إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا) ، وَقَوْلِهِ: (إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ) الْخَرْصُ وَالتَّخْمِينُ وَالْوَهْمُ الَّذِي لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ.
(٢) هَذَا مُجَرَّدُ فَرْضٍ، وَتَنَزُّلٍ مَعَ الْخَصْمِ، وَإِلَّا فَغَلَبَةُ الظَّنِّ بِصِدْقِ خَبَرِ الْفَاسِقِ وَالصَّبِيِّ إِنْ حَصَلَتْ فَهِيَ مِمَّا احْتَفَّ بِهِ مِنَ الْقَرَائِنِ، وَالْعَمَلُ مُسْتَنِدٌ حِينَئِذٍ إِلَيْهَا لَا إِلَى مُجَرَّدِ خَبَرِهِمَا.

<<  <  ج: ص:  >  >>