للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَذَلِكَ كَمَا لَوْ كَتَبَ إِنْسَانٌ صَكًّا، وَالشُّهُودُ يَرَوْنَهُ ثُمَّ قَالَ لَهُمُ: اشْهَدُوا عَلَيَّ بِجَمِيعِ مَا فِي هَذَا الصَّكِّ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُمْ إِقَامَةُ الشَّهَادَةِ عَلَيْهِ بِمَا فِي ذَلِكَ الْكِتَابِ، وَإِلَّا فَلَا.

وَالْمُخْتَارُ إِنَّمَا هُوَ جَوَازُ الرِّوَايَةِ بِالْإِجَازَةِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمُجِيزَ عَدْلٌ ثِقَةٌ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَمْ يَجُزْ إِلَّا مَا عُلِمَ صِحَّتُهُ، وَإِلَّا كَانَ بِإِجَازَتِهِ رِوَايَةَ مَا لَمْ يَرَوْهُ فَاسِقًا، وَهُوَ بَعِيدٌ عَنِ الْعَدْلِ.

وَإِذَا عُلِمَتِ الرِّوَايَةُ أَوْ ظُنَّتْ بِإِجَازَتِهِ، جَازَتِ الرِّوَايَةُ عَنْهُ كَمَا لَوْ كَانَ هُوَ الْقَارِئَ أَوْ قُرِئَ عَلَيْهِ وَهُوَ سَاكِتٌ.

فَإِنْ قِيلَ: إِنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنَ الْمُحَدِّثِ فِعْلُ الْحَدِيثِ، وَلَا مَا يَجْرِي مَجْرَى فِعْلِهِ، فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَقُولَ الرَّاوِي عَنْهُ: أَخْبَرَنِي، وَلَا حَدَّثَنِي لِأَنَّهُ يَكُونُ كَذِبًا، وَلِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُحَدِّثَ بِهِ، فَحَيْثُ لَمْ يُحَدِّثْ بِهِ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ غَيْرُ صَحِيحٍ عِنْدَهُ.

قُلْنَا: هَذَا بَاطِلٌ بِمَا إِذَا كَانَ الرَّاوِي عَنِ الشَّيْخِ هُوَ الْقَارِئَ، فَإِنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنَ الشَّيْخِ فِعْلُ الْحَدِيثِ، وَلَا مَا يَجْرِي مَجْرَاهُ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى الْقِرَاءَةِ بِنَفْسِهِ، وَمَعَ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ لِلرَّاوِي أَنْ يَقُولَ: أَخْبَرَنِي وَحَدَّثَنِي حَيْثُ كَانَتْ قِرَاءَتُهُ عَلَيْهِ مَعَ السُّكُوتِ دَلِيلَ صِحَّةِ الْحَدِيثِ.

وَعَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ مِنَ الْخِلَافِ فِي الْإِجَازَةِ وَالْمُزَيَّفِ وَالْمُخْتَارِ يَكُونُ الْكَلَامُ فِيمَا إِذَا نَاوَلَهُ كِتَابًا فِيهِ حَدِيثٌ سَمِعَهُ، وَقَالَ لَهُ: قَدْ أَجَزْتُ لَكَ أَنْ تَرْوِيَ عَنِّي مَا فِيهِ، وَلَهُ أَنْ يَقُولَ: نَاوَلَنِي فُلَانٌ كَذَا، وَأَخْبَرَنِي، وَحَدَّثَنِي مُنَاوَلَةً.

وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ أَيْضًا إِذَا كَتَبَ إِلَيْهِ بِحَدِيثٍ، وَقَالَ: أَجَزْتُ لَكَ رِوَايَتَهُ عَنِّي فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى صِحَّتِهِ، وَيُسَلِّطُ الرَّاوِي عَلَى أَنْ يَقُولَ: كَاتَبَنِي بِكَذَا وَحَدَّثَنِي أَوْ أَخْبَرَنِي بِكَذَا كِتَابَةً.

وَلَوِ اقْتَصَرَ عَلَى الْمُنَاوَلَةِ أَوِ الْكِتَابَةِ دُونَ لَفْظِ الْإِجَازَةِ، لَمْ تَجُزْ لَهُ الرِّوَايَةُ، إِذْ لَيْسَ فِي الْكِتَابَةِ وَالْمُنَاوَلَةِ مَا يَدُلُّ عَلَى تَسْوِيغِ الرِّوَايَةِ عَنْهُ وَلَا عَلَى صِحَّةِ الْحَدِيثِ فِي نَفْسِهِ.

أَمَّا رُؤْيَةُ خَطِّ الشَّيْخِ بِأَنِّي سَمِعْتُ مِنْ فُلَانٍ كَذَا، فَلَا يَجُوزُ مَعَ ذَلِكَ الرِّوَايَةُ عَنْهُ، وَسَوَاءٌ قَالَ: هَذَا خَطِّي، أَوْ لَمْ يَقُلْ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَكْتُبُ مَا سَمِعَهُ، ثُمَّ يُشَكِّكُ فِيهِ، فَلَا بُدَّ مِنَ التَّسْلِيطِ مِنْ قِبَلِ الشَّيْخِ عَلَى الرِّوَايَةِ عَنْهُ بِطَرِيقَةٍ، إِذْ لَيْسَ لِأَحَدٍ رِوَايَةُ مَا شَكَّ فِي رِوَايَتِهِ، إِجْمَاعًا، وَعَلَى هَذَا، فَلَوْ رَوَى كِتَابًا عَنْ بَعْضِ الْمُحَدِّثِينَ، وَشَكَّ فِي حَدِيثٍ وَاحِدٍ مِنْهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>