للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قُلْنَا: أَمَّا الْأَوَّلُ فَغَيْرُ صَحِيحٍ، وَذَلِكَ أَنَّ مُسَمَّى اسْمِ الْأَمْرِ إِنَّمَا هُوَ الشَّأْنُ وَالصِّفَةُ، وَكُلُّ مَا صَدَقَ عَلَيْهِ ذَلِكَ كَانَ نَهْيًا أَوْ غَيْرَهُ، فَإِنَّهُ يُسَمَّى أَمْرًا حَقِيقَةً.

وَعَلَى هَذَا فَقَدِ انْدَفَعَ مَا ذَكَرُوهُ مِنْ خَرْقِ الْإِجْمَاعِ (١) فَإِنَّ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ جَعْلِ الشَّأْنِ وَالصِّفَةِ، مَدْلُولًا لِاسْمِ الْأَمْرِ، فَمِنْ جُمْلَةِ مَا قِيلَ وَإِنْ سَلَّمْنَا (٢) أَنَّ ذَلِكَ يُفْضِي إِلَى الِاشْتِرَاكِ، وَلَكِنْ لِمَ قِيلَ بِامْتِنَاعِهِ.

وَالْقَوْلُ بِأَنَّهُ مَجَازٌ مُخِلٌّ بِالتَّفَاهُمِ (٣) لِافْتِقَارِهِ إِلَى الْقَرِينَةِ وَإِنَّمَا يَصِحُّ أَنْ لَوْ لَمْ يَكُنِ اللَّفْظُ الْمُشْتَرَكُ عِنْدَ إِطْلَاقِهِ مَحْمُولًا عَلَى جَمِيعِ مَحَامِلِهِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ عَلَى مَا سَيَأْتِي تَقْدِيرُهُ فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَالْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ، سَلَّمْنَا أَنَّهُ خِلَافُ الْأَصْلِ، وَلَيْسَ أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ (٤) أَوْلَى مِنَ الْآخَرِ.

فَإِنْ قِيلَ: إِلَّا أَنَّ مَحْذُورَ الِاشْتِرَاكِ أَعْظَمُ مِنْ مَحْذُورِ التَّجَوُّزِ، فَكَانَ الْمَجَازُ أَوْلَى، وَبَيَانُهُ مِنْ جِهَةِ الْإِجْمَالِ وَالتَّفْصِيلِ، أَمَّا الْإِجْمَالُ فَهُوَ أَنَّ الْمَجَازَ أَغْلَبُ فِي لُغَةِ الْعَرَبِ مِنَ الِاشْتِرَاكِ (٥) وَلَوْلَا أَنَّهُ أَوْفَى بِتَحْصِيلِ مَقْصُودِ الْوَضْعِ، لَمَا كَانَ كَذَلِكَ، وَأَمَّا التَّفْصِيلُ فَمِنْ وَجْهَيْنِ.

الْأَوَّلُ: أَنَّ الْمَحْذُورَ اللَّازِمَ مِنَ الِاشْتِرَاكِ بِافْتِقَارِهِ إِلَى الْقَرِينَةِ لَازِمٌ لَهُ أَبَدًا، بِخِلَافِ الْمَجَازِ: فَإِنَّ الْمَحْذُورَ إِنَّمَا يَلْزَمُهُ بِتَقْدِيرِ إِرَادَةِ جِهَةِ الْمَجَازِ، وَهُوَ احْتِمَالٌ نَادِرٌ، إِذِ الْغَالِبُ إِنَّمَا هُوَ إِرَادَةُ جِهَةِ الْحَقِيقَةِ.

الثَّانِي: أَنَّ الْمَحْذُورَ لَازِمٌ فِي الْمُشْتَرَكِ فِي كُلِّ مَحَمَلٍ مِنْ مَحَامِلِهِ، لِافْتِقَارِهِ إِلَى الْقَرِينَةِ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا، بِخِلَافِ الْمَجَازِ، فَإِنَّهُ إِنَّمَا يَفْتَقِرُ إِلَى الْقَرِينَةِ بِتَقْدِيرِ إِرَادَةِ جِهَةِ الْمَجَازِ، لَا بِتَقْدِيرِ إِرَادَةِ جِهَةِ الْحَقِيقَةِ، قِيلَ هَذَا مُعَارَضٌ (٦) مِنْ عَشَرَةِ أَوْجُهٍ،


(١) وَهُوَ الِاعْتِرَاضُ الثَّانِي بِأَنَّ كَوْنَهُ مَعْنَوِيًّا خَارِقٌ لِلْإِجْمَاعِ
(٢) رُجُوعٌ إِلَى الِاعْتِرَاضِ عَلَى الدَّلِيلِ الْأَوَّلِ مِنْ أَدِلَّةِ الْقَائِلِينَ بِأَنَّهُ مَجَازٌ فِي الْفِعْلِ
(٣) الْجُمْلَةُ حَالِيَّةٌ
(٤) أَيِ الِاشْتِرَاكِ اللَّفْظِيِّ وَالتَّجَوُّزِ
(٥) أَيِ اللَّفْظِيِّ
(٦) سَيَجِيءُ بَحْثُ الْمُعَارَضَةِ فِي الِاعْتِرَاضِ الْخَامِسَ عَشَرَ مِنَ الِاعْتِرَاضَاتِ الْوَارِدَةِ عَلَى الْقِيَاسِ

<<  <  ج: ص:  >  >>