للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَوْلُهُمْ: مَا الْمَانِعُ مِنْ كَوْنِهِ مُرَكَّبًا مِنَ الْعَقْلِ وَالنَّقْلِ: قُلْنَا: لِأَنَّ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنَ التَّقْسِيمِ فِي النَّقْلِيِّ، ثَابِتٌ هَاهُنَا كَانَ مُسْتَقِلًّا أَوْ غَيْرَ مُسْتَقِلٍّ، وَالْقَطْعُ لَا سَبِيلَ إِلَيْهِ وَإِنْ كَانَ ظَنِّيًّا، فَالْمُرَكَّبُ مِنْهُ وَمِنَ الْعَقْلِيِّ يَكُونُ ظَنِّيًّا، سَوَاءٌ كَانَ الْعَقْلِيُّ ظَنِّيًّا أَوْ قَطْعِيًّا.

قَوْلُهُمْ: مَا ذَكَرْتُمُوهُ لَازِمٌ عَلَيْكُمْ فِي الْوَقْفِ، قُلْنَا: لَيْسَ كَذَلِكَ ; لِأَنَّ الْوَاقِفَ غَيْرُ حَاكِمٍ، بَلْ هُوَ سَاكِتٌ عَنِ الْحُكْمِ (١) وَالسَّاكِتُ عَنِ الْحُكْمِ، لَا يَفْتَقِرُ إِلَى دَلِيلٍ، فَلَا يَكُونُ مَا ذَكَرُوهُ لَازِمًا عَلَيْنَا.

شُبَهُ الْقَائِلِينَ بِالْوُجُوبِ

وَقَدْ ذَكَرَ أَبُو الْحُسَيْنِ الْبَصْرِيُّ فِي ذَلِكَ مَا يُنَاهِزُ ثَلَاثِينَ شُبْهَةً دَائِرَةً بَيْنَ غَثٍّ وَثَمِينٍ. وَهَا نَحْنُ نُلَخِّصُ حَاصِلَهَا، وَنَأْتِي عَلَى الْمُعْتَمَدِ مِنْ جُمْلَتِهَا، مَعَ حَذْفِ الزِّيَادَاتِ الْعَرِيَّةِ عَنِ الْفَائِدَةِ، وَنُشِيرُ إِلَى جِهَةِ الِانْفِصَالِ عَنْهَا، ثُمَّ نَذْكُرُ بَعْدَ ذَلِكَ شُبَهَ الْقَائِلِينَ بِالنَّدْبِ، وَطُرُقَ تَخْرِيجِهَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

فَأَمَّا شُبَهُ الْقَائِلِينَ بِالْوُجُوبِ فَشَرْعِيَّةٌ، وَلُغَوِيَّةٌ، وَعَقْلِيَّةٌ.

أَمَّا الشَّرْعِيَّةُ: فَمِنْهَا مَا يَرْجِعُ إِلَى الْكِتَابِ، وَمِنْهَا مَا يَرْجِعُ إِلَى السُّنَّةِ، وَمِنْهَا مَا يَرْجِعُ إِلَى الْإِجْمَاعِ.

أَمَّا الْكِتَابُ: فَقَوْلُهُ تَعَالَى: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ} ثُمَّ هَدَّدَ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ: {فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ} وَالتَّهْدِيدُ عَلَى الْمُخَالَفَةِ دَلِيلُ الْوُجُوبِ.

وَأَيْضًا قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} وَوَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ بِهِ مَا سَبَقَ فِي الْآيَةِ الَّتِي قَبْلَهَا.

وَأَيْضًا قَوْلُهُ تَعَالَى لِإِبْلِيسَ: {مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ} أَوْرَدَ ذَلِكَ فِي مَعْرِضِ الذَّمِّ بِالْمُخَالَفَةِ، لَا فِي مَعْرِضِ الِاسْتِفْهَامِ اتِّفَاقًا، وَهُوَ دَلِيلُ الْوُجُوبِ.


(١) إِذَا كَانَ سُكُوتُهُ عَنِ الْحُكْمِ لِتَكَافُؤِ الْأَدِلَّةِ فِي نَظَرِهِ، فَكَيْفَ يَتَأَتَّى لَهُ الْقَوْلُ بِأَنَّ مَسَائِلَ الْأُصُولِ قَطْعِيَّةٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>