للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَيْضًا قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لَا يَرْكَعُونَ} ذَمَّهُمْ عَلَى الْمُخَالَفَةِ، وَهُوَ دَلِيلُ الْوُجُوبِ، وَأَيْضًا قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} وَالْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ: (قَضَى) أَيْ أَلْزَمَ وَمِنْ قَوْلِهِ: (أَمْرًا) أَيْ مَأْمُورًا وَمَا لَا خِيرَةَ فِيهِ مِنَ الْمَأْمُورَاتِ لَا يَكُونُ إِلَّا وَاجِبًا.

وَأَيْضًا قَوْلُهُ تَعَالَى: {أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي} وَقَوْلُهُ: {لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ} وَقَوْلُهُ: {وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا} وَصَفَ مُخَالَفَةَ الْأَمْرِ بِالْعِصْيَانِ، وَهُوَ اسْمُ ذَمٍّ، وَذَلِكَ لَا يَكُونُ فِي غَيْرِ الْوُجُوبِ.

وَأَيْضًا قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ} أَيْ أَمَرْتَ وَلَوْلَا أَنَّ الْأَمْرَ لِلْوُجُوبِ لَمَا كَانَ كَذَلِكَ.

وَأَمَّا السُّنَّةُ فَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِبَرِيرَةَ وَقَدْ عُتِقَتْ تَحْتَ عَبْدٍ وَكَرِهَتْهُ ( «لَوْ رَاجَعْتِيهِ - فَقَالَتْ بِأَمْرِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ - فَقَالَ: لَا إِنَّمَا أَنَا شَافِعٌ - فَقَالَتْ: لَا حَاجَةَ لِي فِيهِ» ) فَقَدْ عَقَلَتْ أَنَّهُ لَوْ كَانَ أَمْرًا لَكَانَ وَاجِبًا، وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَّرَهَا عَلَيْهِ.

وَأَيْضًا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( «لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي، لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ» ) وَهُوَ دَلِيلُ الْوُجُوبِ، وَإِلَّا فَلَوْ كَانَ الْأَمْرُ لِلنَّدْبِ، فَالسِّوَاكُ مَنْدُوبٌ.

وَأَيْضًا قَوْلُهُ لِأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ حَيْثُ لَمْ يُجِبْ دُعَاءَهُ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ (أَمَا سَمِعْتَ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: {اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ} وَبَّخَهُ عَلَى مُخَالَفَةِ أَمْرِهِ، وَهُوَ دَلِيلُ الْوُجُوبِ.

وَأَيْضًا فَإِنَّهُ لَمَّا سَأَلَهُ الْأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ ( «أَحَجُّنَا هَذَا لِعَامِنَا أَمْ لِلْأَبَدِ» ) قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بَلْ لِلْأَبَدِ وَلَوْ قُلْتُ: نَعَمْ لَوَجَبَتْ (١) .

وَذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ أَوَامِرَهُ لِلْوُجُوبِ.


(١) حَدِيثُ بِرَيْرَةَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مِنْ طَرِيقِ عَائِشَةَ، وَحَدِيثُ لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَحَدِيثُ نِدَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَا سَعِيدٍ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ، وَإِنْكَارُهُ عَلَى عَدَمِ إِجَابَتِهِ، وَإِرْشَادُهُ إِلَى فَضْلِ فَاتِحَةِ الْكِتَابِ، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي سَعِيدِ بْنِ الْمُعَلَّى، وَلَيْسَ بِأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، وَحَدِيثُ فَرْضِ الْحَجِّ وَسُؤَالُ الْأَقْرَعِ بْنِ حَابِسٍ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ، وَأَصْلُهُ فِي مُسْلِمٍ إِلَّا أَنَّ الْآمِدِيَّ تَصَرَّفَ فِي الْمَتْنِ وَاقْتَصَرَ عَلَى مَوْضِعِ الِاسْتِشْهَادِ مِنْهُ كَعَادَتِهِ طَلَبًا لِلِاخْتِصَارِ

<<  <  ج: ص:  >  >>