وَأَمَّا الْإِجْمَاعُ فَهُوَ أَنَّ الْأُمَّةَ فِي كُلِّ عَصْرٍ لَمْ تَزَلْ رَاجِعَةً فِي إِيجَابِ الْعِبَادَاتِ إِلَى الْأَوَامِرِ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ، وَمَا كَانُوا يَعْدِلُونَ إِلَى غَيْرِ الْوُجُوبِ إِلَّا لِمُعَارِضٍ.
وَأَيْضًا فَإِنَّ أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، اسْتَدَلَّ عَلَى وُجُوبِ الزَّكَاةِ عَلَى أَهْلِ الرِّدَّةِ بِقَوْلِهِ: {وَآتُوا الزَّكَاةَ} وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ أَحَدٌ مِنَ الصَّحَابَةِ، فَكَانَ ذَلِكَ إِجْمَاعًا.
وَأَمَّا مِنْ جِهَةِ اللُّغَةِ فَمِنْ وُجُوهٍ.
الْأَوَّلُ: وَصَفُ أَهْلِ اللُّغَةِ مَنْ خَالَفَ الْأَمْرَ بِكَوْنِهِ عَاصِيًا، وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ (أَمَرْتُكَ، فَعَصَيْتَنِي) وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي} وَقَوْلُ الشَّاعِرِ:
أَمَرْتُكَ أَمْرًا حَازِمًا فَعَصَيْتَنِي (١) وَالْعِصْيَانُ اسْمُ ذَمٍّ، وَذَلِكَ فِي غَيْرِ الْوُجُوبِ مُمْتَنِعٌ، وَأَيْضًا فَإِنَّ السَّيِّدَ إِذَا أَمَرَ عَبْدَهُ بِأَمْرٍ، فَخَالَفَهُ، حَسُنَ الْحُكْمُ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ بِذَمِّهِ وَاسْتِحْقَاقِهِ لِلْعَذَابِ، وَلَوْلَا أَنَّ الْأَمْرَ لِلْوُجُوبِ لَمَا كَانَ كَذَلِكَ.
وَأَمَّا مِنْ جِهَةِ الْعَقْلِ فَمِنْ وُجُوهٍ.
الْأَوَّلُ: أَنَّ الْإِيجَابَ مِنَ الْمُهِمَّاتِ فِي مُخَاطَبَةِ أَهْلِ اللُّغَةِ، فَلَوْ لَمْ يَكُنِ الْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ لَخَلَا الْوُجُوبُ عَنْ لَفْظٍ يَدُلُّ عَلَيْهِ، وَهُوَ مُمْتَنِعٌ مَعَ دَعْوَى الْحَاجَةِ إِلَيْهِ.
وَأَيْضًا فَإِنَّهُ قَدْ ثَبَتَ أَنَّ الطَّلَبَ لَا يَخْرُجُ عَنِ الْوُجُوبِ وَالنَّدْبِ، وَيَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ حَقِيقَةً فِي النَّدْبِ، لَا بِجِهَةِ الِاشْتِرَاكِ وَلَا التَّعْيِينِ وَلَا بِطَرِيقِ التَّخْيِيرِ
(١) ذَكَرَ الْجَلَالُ الْمَحَلِّيُّ فِي شَرْحِهِ لِجَمْعِ الْجَوَامِعِ أَنَّ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ هُوَ الَّذِي قَالَ لِمُعَاوِيَةَ هَذَا الْبَيْتَ (أَمَرْتُكَ أَمْرًا جَازِمًا فَعَصَيْتَنِي) وَكَانَ مِنَ التَّوْفِيقِ قَتْلُ ابْنِ هَاشِمٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute