للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الثَّالِثُ: أَنَّ الْفِعْلَ فِي الْوَقْتِ مَوْصُوفٌ بِكَوْنِهِ أَدَاءً، وَقَدْ قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - (١) : " «لَنْ يَتَقَرَّبَ الْمُتَقَرِّبُونَ إِلَيَّ بِمِثْلِ أَدَاءِ مَا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِمْ» ".

وَإِذَا لَمْ تَكُنْ حَاصِلَةً فِي الْوَقْتِ الثَّانِي حَسَبَ حُصُولِهَا فِي الْوَقْتِ الْأَوَّلِ، فَلَا يَلْزَمُ مِنِ اقْتِضَاءِ الْأَمْرِ لِلْفِعْلِ فِي الْوَقْتِ الْأَوَّلِ أَنْ يَكُونَ مُقْتَضِيًا لَهُ فِيمَا بَعْدَهُ.

وَصَارَ هَذَا كَمَا لَوْ أَمَرَ الطَّبِيبُ بِشُرْبِ الدَّوَاءِ فِي وَقْتٍ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ مُتَنَاوِلًا لِغَيْرِ ذَلِكَ الْوَقْتِ.

وَكَذَلِكَ إِذَا عَلَّقَ الْأَمْرَ بِشَرْطٍ مُعَيَّنٍ كَاسْتِقْبَالِ جِهَةٍ مُعَيَّنَةٍ، أَوْ بِمَكَانٍ مُعَيَّنٍ كَالْأَمْرِ بِالْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ، فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ مُتَنَاوِلًا لِغَيْرِهِ.

الْوَجْهُ الثَّالِثُ مِنَ الْوُجُوهِ الْأُوَلِ: هُوَ أَنَّ الْعِبَادَاتِ الْمَأْمُورِ بِهَا مُنْقَسِمَةٌ إِلَى مَا يَجِبُ قَضَاؤُهُ كَالصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ، وَإِلَى مَا لَا يَجِبُ كَالْجُمُعَةِ وَالْجِهَادِ، فَلَوْ كَانَ الْأَمْرُ الْأَوَّلُ مُقْتَضِيًا لِلْقَضَاءِ لَكَانَ الْقَوْلُ بِعَدَمِ الْقَضَاءِ فِيمَا فُرِضَ مِنَ الصُّوَرِ عَلَى خِلَافِ الدَّلِيلِ، وَهُوَ مُمْتَنِعٌ.

الرَّابِعُ: قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «مَنْ نَامَ عَنْ صَلَاةٍ أَوْ نَسِيَهَا فَلْيُصَلِّهَا إِذَا ذَكَرَهَا» " أَمَرَ بِالْقَضَاءِ، وَلَوْ كَانَ مَأْمُورًا بِهِ بِالْأَمْرِ الْأَوَّلِ لَكَانَتْ فَائِدَةُ الْخَبَرِ التَّأْكِيدَ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مَأْمُورًا بِهِ لَكَانَتْ فَائِدَتُهُ التَّأْسِيسَ، وَهُوَ أَوْلَى لِعِظَمِ فَائِدَتِهِ.

فَإِنْ قِيلَ: مَا ذَكَرْتُمُوهُ مُعَارَضٌ مِنْ خَمْسَةِ أَوْجُهٍ:

الْأَوَّلُ: قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «إِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ» " وَمَنْ فَاتَهُ الْوَقْتُ الْأَوَّلُ فَهُوَ مُسْتَطِيعٌ لِلْفِعْلِ فِي الْوَقْتِ الثَّانِي.

الثَّانِي: أَنَّ الْأَمْرَ إِنَّمَا يَدُلُّ عَلَى طَلَبِ الْفِعْلِ، وَهُوَ مُقْتَضَاهُ، وَأَمَّا الزَّمَانُ فَلَا يَكُونُ مَطْلُوبًا بِالْأَمْرِ إِذْ لَيْسَ هُوَ مِنْ فِعْلِ الْمُكَلَّفِ، وَإِنَّمَا وَقَعَ ذَلِكَ ضَرُورَةَ كَوْنِهِ ظَرْفًا لِلْفِعْلِ، فَاخْتِلَالُهُ لَا يُؤَثِّرُ فِي مُقْتَضَى الْأَمْرِ وَهُوَ الْفِعْلُ.

الثَّالِثُ: أَنَّ الْغَالِبَ مِنَ الْمَأْمُورَاتِ فِي الشَّرْعِ إِنَّمَا هُوَ الْقَضَاءُ بِتَقْدِيرِ فَوَاتِ أَوْقَاتِهَا الْمُعَيَّنَةِ، وَلَا بُدَّ لِذَلِكَ مِنْ مُقْتَضٍ، وَالْأَصْلُ عَدَمُ كُلِّ مَا سِوَى الْأَمْرِ السَّابِقِ، فَكَانَ هُوَ الْمُقْتَضَى.


(١) أَيْ عَنْ رَبِّهِ - سُبْحَانَهُ - وَهَذَا جُزْءٌ مِنْ حَدِيثٍ قُدْسِيٍّ أَوَّلُهُ: مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ، وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ مِنْ أَدَاءِ مَا افْتَرَضْتُهُ عَلَيْهِ. . . الْحَدِيثَ

<<  <  ج: ص:  >  >>