الرَّابِعُ: أَنَّهُ لَوْ وَجَبَ الْقَضَاءُ بِأَمْرٍ مُجَدَّدٍ لَكَانَ أَدَاءً كَمَا فِي الْأَمْرِ الْأَوَّلِ، وَلَمَا كَانَ لِتَسْمِيَتِهِ قَضَاءً مَعْنًى.
الْخَامِسُ: أَنَّ الْعِبَادَةَ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى، وَالْوَقْتُ الْمَفْرُوضُ كَالْأَجَلِ لَهَا، فَفَوَاتُ أَجَلِهَا لَا يُوجِبُ سُقُوطَهَا كَمَا فِي الدَّيْنِ لِلْآدَمِيِّ، وَلِأَنَّهُ لَوْ سَقَطَ وُجُوبُ الْفِعْلِ بِفَوَاتِ الْوَقْتِ لَسَقَطَ الْمَأْثَمُ لِأَنَّهُ مِنْ أَحْكَامِ وُجُوبِ الْفِعْلِ، وَلِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ الْوُجُوبِ، فَالْقَوْلُ بِالسُّقُوطِ بِفَوَاتِ الْأَجَلِ عَلَى خِلَافِ مُقْتَضَى الْأَصْلِ.
وَالْجَوَابُ عَنِ الْمُعَارَضَةِ الْأُولَى: أَنَّ الْخَبَرَ دَلِيلُ وُجُوبِ الْإِتْيَانِ بِمَا اسْتُطِيعَ مِنَ الْمَأْمُورِ بِهِ، وَإِنَّمَا يُفِيدُ أَنْ لَوْ كَانَ الْفِعْلُ فِي الْوَقْتِ الثَّانِي دَاخِلًا تَحْتَ الْأَمْرِ الْأَوَّلِ، وَهُوَ مَحَلُّ النِّزَاعِ.
وَعَنِ الثَّانِي: أَنَّ الْأَمْرَ اقْتَضَى مُطْلَقَ الْفِعْلِ أَوْ فِعْلًا مَخْصُوصًا بِصِفَةِ وُقُوعِهِ فِي وَقْتٍ مُعَيَّنٍ، الْأَوَّلُ مَمْنُوعٌ، وَالثَّانِي مُسَلَّمٌ.
وَعَنِ الثَّالِثِ أَنَّ الْقَضَاءَ فِيمَا قِيلَ بِقَضَائِهِ إِنَّمَا كَانَ بِنَاءً عَلَى أَدِلَّةٍ أُخْرَى، لَا بِالْأَمْرِ الْأَوَّلِ.
قَوْلُهُمُ الْأَصْلُ عَدَمُ مَا سِوَى الْأَمْرِ الْأَوَّلِ، قُلْنَا: وَالْأَصْلُ عَدَمُ دَلَالَةِ الْأَمْرِ الْأَوَّلِ عَلَيْهِ، كَيْفَ وَقَدْ بَيَّنَّا عَدَمَ دَلَالَتِهِ؟
وَعَنِ الرَّابِعِ أَنَّهُ إِنَّمَا سُمِّيَ قَضَاءً لِكَوْنِهِ مُسْتَدْرِكًا لِمَا فَاتَ مِنْ مَصْلَحَةِ الْفِعْلِ الْمَأْمُورِ بِهِ أَوَّلًا، أَوْ مَصْلَحَةِ وَصْفِهِ كَمَا تَقَدَّمَ تَحْقِيقُهُ.
وَعَنِ الْخَامِسِ بِمَنْعِ كَوْنِ الْوَقْتِ أَجَلًا لِلْفِعْلِ الْمَأْمُورِ بِهِ، إِذِ الْأَجَلُ عِبَارَةٌ عَنْ وَقْتِ مُهْلَةٍ وَتَأْخِيرِ الْمُطَالَبَةِ بِالْوَاجِبِ مِنْ أَوَّلِهِ إِلَى آخِرِهِ، كَمَا فِي الْحَوْلِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى وُجُوبِ الزَّكَاةِ.
وَلِذَلِكَ لَا يَأْثَمُ بِإِخْرَاجِ وَقْتِ الْأَجَلِ عَنْ قَضَاءِ الدَّيْنِ، وَإِخْرَاجِ الْحَوْلِ عَنْ أَدَاءِ الزَّكَاةِ فِيهِ، وَلَا كَذَلِكَ الْوَقْتُ الْمُقَدَّرُ لِلصَّلَاةِ، بَلْ هُوَ صِفَةُ الْفِعْلِ الْوَاجِبِ.
وَمَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ فِعْلٌ بِصِفَةٍ لَا يَكُونُ مُؤَدِّيًا لَهُ دُونَ تِلْكَ الصِّفَةِ.
وَعَلَى هَذَا فَلَا يَخْفَى الْكَلَامُ فِي الْأَمْرِ الْمُطْلَقِ إِذَا كَانَ مَحْمُولًا عَلَى الْفَوْرِ، وَلَمْ يُؤْتَ بِالْمَأْمُورِ بِهِ فِي أَوَّلِ وَقْتِ الْإِمْكَانِ.