للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الِاسْتِفْهَامِ عَنْ مُرَادِ السَّائِلِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَلَا جَائِزٌ أَنْ يُقَالَ بِالْأَخِيرِ لِلِاتِّفَاقِ عَلَى إِبْطَالِهِ، فَلَمْ يَبْقَ إِلَّا أَنْ تَكُونَ حَقِيقَةً فِي الْعُمُومِ.

وَأَمَّا الشَّرْطِيَّةُ وَهِيَ عِنْدَمَا إِذَا قَالَ السَّيِّدُ لِعَبْدِهِ: مَنْ دَخَلَ دَارِي فَأُكْرِمَهُ، فَإِنَّهُ إِذَا أَكْرَمَ كُلَّ دَاخِلٍ لَا يَحْسُنُ مِنَ السَّيِّدِ الِاعْتِرَاضُ عَلَيْهِ، وَلَوْ أَخَلَّ بِإِكْرَامِ بَعْضِ الدَّاخِلِينَ فَإِنَّهُ يَحْسُنُ لَوْمُهُ وَتَوْبِيخُهُ فِي الْعُرْفِ.

وَأَيْضًا فَإِنَّهُ يَحْسُنُ الِاسْتِثْنَاءُ مِنْ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: إِلَّا أَنْ يَكُونَ فَاسِقًا وَالِاسْتِثْنَاءُ يُخْرِجُ مِنَ الْكَلَامِ مَا لَوْلَاهُ لَكَانَ دَاخِلًا فِيهِ، وَلَوْلَا أَنَّ (مَنْ) لِلْعُمُومِ لَمَا صَحَّ ذَلِكَ.

وَعَلَى هَذَا يَكُونُ الْكَلَامُ فِي جَمِيعِ الْحُرُوفِ الْمُسْتَعْمَلَةِ لِلشَّرْطِ وَالِاسْتِفْهَامِ مِثْلَ مَا وَأَيُّ وَمَتَى وَأَيْنَ وَكَمْ وَكَيْفَ وَنَحْوِهِ وَمُؤَكِّدَاتُهَا مِثْلَ كُلٍّ وَجَمِيعٍ فَإِنَّهَا لِلْعُمُومِ.

وَبَيَانُهُ مِنْ وُجُوهٍ: الْأَوَّلُ: أَنَّهُ إِذَا قَالَ الْقَائِلُ لِعَبْدِهِ: أَكْرِمْ كُلَّ مَنْ رَأَيْتَهُ فَإِنَّهُ يَسْقُطُ عَنْهُ اللَّوْمُ بِإِكْرَامِ كُلِّ وَاحِدٍ، وَلَا يَسْقُطُ بِتَقْدِيرِ إِخْلَالِهِ بِإِكْرَامِ الْبَعْضِ، وَإِنَّهُ يَحْسُنُ الِاسْتِثْنَاءُ بِقَوْلِهِ إِلَّا الْفُسَّاقَ وَذَلِكَ دَلِيلُ الْعُمُومِ كَمَا سَبَقَ (١) .

الثَّانِي: أَنَّهُ لَوْ قَالَ الْقَائِلُ: " رَأَيْتُ كُلَّ مَنْ فِي الْبَلَدِ " فَإِنَّهُ يُعَدُّ كَاذِبًا بِتَقْدِيرِ عَدَمِ رُؤْيَتِهِ لِبَعْضِهِمْ.

الثَّالِثُ: أَنَّهُ إِذَا قَالَ الْقَائِلَ: " كُلُّ النَّاسِ عُلَمَاءٌ " كَذَّبَهُ قَوْلُ الْقَائِلِ: " كُلُّ النَّاسِ لَيْسُوا عُلَمَاءً ".

وَلَوْ لَمْ يَكُنِ اسْمُ (كُلُّ) لِلْعُمُومِ لَمَا كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مُكَذِّبًا لِلْآخَرِ، لِجَوَازِ أَنْ يَتَنَاوَلَ كُلُّ وَاحِدٍ مَا تَنَاوَلَهُ الْآخَرُ.

الرَّابِعُ: أَنَّا نُدْرِكُ التَّفْرِقَةَ بَيْنَ (كَلُّ) وَ (بَعْضُ) وَلَوْ كَانَ مُفِيدًا لِلْعُمُومِ لَمَا تَحَقَّقَ الْفَرْقُ، لِكَوْنِهِ مُسَاوِيًا فِي الْإِفَادَةِ لِلْبَعْضِ.

الْخَامِسُ: أَنَّهُ لَوْ كَانَ قَوْلُ الْقَائِلِ: كُلُّ النَّاسِ يُفِيدُ الْعُمُومَ وَلَكِنَّهُ يُعَبِّرُ عَنْهُ تَارَةً عَنِ الْبَعْضِ وَتَارَةً عَنِ الْعُمُومِ حَقِيقَةً لَكَانَ قَوْلُ الْقَائِلِ: كُلُّهُمْ بَيَانًا لِأَحَدِ الْأَمْرَيْنِ فِيمَا دَخَلَ عَلَيْهِ لَا تَأْكِيدًا لَهُ كَمَا لَوْ قَالَ: رَأَيْتُ عَيْنًا بَاصِرَةً.


(١) أَيْ مِنْ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ يُخْرِجُ مِنَ الْكَلَامِ مَا لَوْلَاهُ لَكَانَ دَاخِلًا فِيهِ، وَلَوْلَا أَنَّهُ مُفِيدٌ لِلْعُمُومِ لَمَا صَحَّ ذَلِكَ

<<  <  ج: ص:  >  >>