للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِحَمْلِ ذَلِكَ عَلَى الْخُصُوصِ بِقَرِينَةٍ أَوْلَى مِنَ الْقَوْلِ بِحَمْلِهِ عَلَى الْعُمُومِ بِقَرِينَةٍ.

وَنَحْنُ لَا نُنْكِرُ صِحَّةَ الْحَمْلِ عَلَى الْعُمُومِ بِالْقَرِينَةِ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي كَوْنِهِ حَقِيقَةً أَمْ لَا.

وَأَمَّا قِصَّةُ ابْنُ الزِّبَعْرَى فَلَا حُجَّةَ فِيهَا أَيْضًا، لِأَنَّ سُؤَالَهُ وَقَعَ فَاسِدًا حَيْثُ ظَنَّ أَنَّ (مَا) عَامَّةٌ فِيمَنْ يَعْقِلُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ.

وَلِهَذَا قَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُنْكِرًا عَلَيْهِ: " «مَا أَجْهَلَكَ بِلُغَةِ قَوْمِكَ أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ (مَا) لِمَا لَا يَعْقِلُ» (١) وَهِيَ وَإِنْ أُطْلِقَتْ عَلَى مَنْ يَعْقِلُ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا - وَالْأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا - وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا} فَلَيْسَ حَقِيقَةً، بَلْ مَجَازًا.

وَيَجِبُ الْقَوْلُ بِذَلِكَ جَمْعًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ (مَا) لِمَا لَا يَعْقِلُ» " وَلِمَا فِيهِ مِنْ مُوَافَقَةِ الْمَنْقُولِ عَنْ أَهْلِ اللُّغَةِ فِي ذَلِكَ.

وَأَمَّا قِصَّةُ إِبْرَاهِيمَ فَجَوَابُهَا بِمَا سَبَقَ فِي قِصَّةِ نُوحٍ (٢) .

وَأَمَّا الِاحْتِجَاجُ بِقِصَّةِ عُمَرَ مَعَ أَبِي بَكْرٍ فَلَا حُجَّةَ فِيهَا أَيْضًا، لِأَنَّهُ إِنَّمَا فَهِمَ الْعِصْمَةَ مِنَ الْعِلَّةِ الْمُوجِبَةِ لَهَا فِي الْأَمْوَالِ وَالدِّمَاءِ، وَهِيَ قَوْلُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ فَإِنَّهَا مُنَاسِبَةٌ لِذَلِكَ، وَالْحُكْمُ مُرَتَّبٌ عَلَيْهَا فِي كَلَامِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَكَانَ ذَلِكَ إِيمَاءً إِلَيْهَا بِالتَّعْلِيلِ.

أَمَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مَأْخُوذًا مِنْ عُمُومِ دِمَائِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ فَلَا.

وَمُعَارَضَةُ أَبِي بَكْرٍ إِنَّمَا كَانَتْ لِمَا فَهِمَهُ عُمَرُ مِنَ التَّعْلِيلِ الْمُقْتَضِي لِلتَّعْمِيمِ لَا لِغَيْرِهِ (٣) .


(١) لَمْ يَثْبُتْ ذَلِكَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، انْظُرْ كَلَامَ ابْنِ حَجْرٍ عَلَيْهِ فِي كِتَابِهِ الْكَافِي الشَّافِي فِي تَخْرِيجِ أَحَادِيثِ الْكَشَّافِ
(٢) سَبْقَ أَيْضًا مُنَاقَشَتُهُ
(٣) الظَّاهِرُ أَنَّ الْعُمُومَ مَفْهُومٌ مِنْ إِضَافَةِ الدِّمَاءِ وَالْأَمْوَالِ لِلضَّمِيرِ لَا مِنَ التَّعْلِيلِ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ قِيلَ: فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءً وَأَمْوَالًا لَمْ يُفِدِ الْعُمُومَ مَعَ وُجُودِ التَّعْلِيلِ

<<  <  ج: ص:  >  >>