للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَمَّا قِصَّةُ فَاطِمَةَ مَعَ أَبِي بَكْرٍ فَالْكَلَامُ فِي اعْتِقَادِ الْعُمُومِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ} مَا سَبَقَ فِي قِصَّةِ نُوحٍ (١) ، وَهُوَ الْجَوَابُ أَيْضًا عَنِ احْتِجَاجِ عُثْمَانَ عَلَى جَوَازِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ، ثُمَّ قَدْ أَمْكَنَ أَنْ يُضَافَ ذَلِكَ إِلَى مَا فُهِمَ مِنَ الْعِلَّةِ الْمُوجِبَةِ لِرَفْعِ الْحَرَجِ وَهِيَ الزَّوْجِيَّةُ لَا إِلَى عُمُومِ اللَّفْظِ.

وَكَذَلِكَ احْتِجَاجُ عَلِيٍّ بِقَوْلِهِ: {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ} لَمْ يَكُنْ لِعُمُومِ اللَّفْظِ، بَلْ بِمَا أَوْمَى إِلَيْهِ اللَّفْظُ مِنَ الْعِلَّةِ الْمَانِعَةِ مِنَ الْجَمْعِ وَهِيَ الْأُخُوَّةُ فَإِنَّهَا مُنَاسِبَةٌ لِذَلِكَ، دَفْعًا لِلْإِضْرَارِ الْوَاقِعِ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ مِنَ الْمُزَاحَمَةِ عَلَى الزَّوْجِ الْوَاحِدِ، وَإِنَّمَا يَصِحُّ الِاحْتِجَاجُ بِاللَّفْظِ بِمُجَرَّدِهِ أَنْ لَوْ كَانَ لِلْعُمُومِ (٢) وَهُوَ مَحَلُّ النِّزَاعِ.

وَإِنَّ صَحَّ الِاحْتِجَاجُ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ بِنَفْسِ اللَّفْظِ فَلَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ بِمَا اقْتَرَنَ بِهِ مِنَ الْعِلَّةِ الرَّافِعَةِ لِلْحَرَجِ فِي احْتِجَاجِ عُثْمَانَ، وَالْعِلَّةِ الْمَانِعَةِ مِنَ الْجَمْعِ فِي احْتِجَاجِ عَلِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -.

وَأَمَّا تَكْذِيبُ عُثْمَانَ لِلشَّاعِرِ فِي قَوْلِهِ: (

وَكُلُّ نَعِيمٍ لَا مَحَالَةَ زَائِلٌ

) فَإِنَّمَا كَانَ لِمَا فَهِمَهُ مِنْ حَالِ الشَّاعِرِ الدَّالَّةِ عَلَى قَصْدِ تَعْظِيمِ الرَّبِّ بِبَقَائِهِ، وَبُطْلَانِ كُلِّ مَا سِوَاهُ.

أَمَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مُسْتَفَادًا مِنْ مُجَرَّدِ قَوْلِهِ (كُلُّ) فَلَا (٣) .


(١) تَقَدَّمَ مَا فِيهِ أَيْضًا وَأَنَّهُ مَا أُرِيدَ بِهِ الْخُصُوصُ إِلَّا مِنْ أَجْلِ دَلِيلِ التَّخْصِيصِ وَهُوَ الْحَدِيثُ، وَلَوْلَاهُ لَبَقِيَتِ الْآيَةُ عَلَى عُمُومِهَا وَلَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ مَنْعُهَا مِنَ الْمِيرَاثِ
(٢) الظَّاهِرُ أَنَّ عُثْمَانَ وَعَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فَهِمَا عُمُومَ كُلٍّ مِنَ الْآيَتَيْنِ، إِلَّا أَنَّهُمَا لَمَّا تَعَارَضَ عُمُومُهُمَا فِي بَادِئِ النَّظَرِ وَجَبَ عَلَى الْعُلَمَاءِ طَلَبُ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا، وَعِنْدَ ذَلِكَ اخْتَلَفَ الْأَئِمَّةُ فِي طَرِيقِ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا، فَذَهَبَ عَلِيٌّ إِلَى تَخْصِيصِ آيَةِ (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ) بِآيَةِ تَحْرِيمِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ، وَذَهَبَ عُثْمَانُ إِلَى عَكْسِ ذَلِكَ، وَيَدُلُّ عَلَى هَذَا قَوْلُ عُثْمَانَ: أَحَلَّتْهُمَا آيَةٌ وَحَرَّمَتْهُمَا آيَةٌ.
(٣) مَا ذَكَرَهُ الْآمِدِيُّ مِنْ أَنَّ دَلَالَةَ (كُلُّ نَعِيمٍ) فِي الْبَيْتِ وَدَلَالَةَ جَمِيعِ الصِّيَغِ السَّابِقَةِ وَاللَّاحِقَةِ عَلَى الْعُمُومِ إِنَّمَا كَانَتْ بِالْقَرَائِنِ خِلَافُ الظَّاهِرِ، وَهِيَ دَعْوَى لَا يَعْجِزُ عَنْهُمَا أَحَدٌ، وَالْإِغْرَاقُ فِي ذَلِكَ مِمَّا يُشْكِلُ فِي وَضْعِ الْأَلْفَاظِ لِمَعَانِيهَا وَدَلَالَتِهَا عَلَيْهَا، وَيَبْعَثُ الْحَيْرَةَ فِي مُرَادِ الْمُتَكَلِّمِينَ مِنْ كَلَامِهِمْ، بَلْ مَنْ سَلَكَ ذَلِكَ الْمَسْلَكَ أَقْرَبُ إِلَى الْحَيْرَةِ عَنِ الْحَقِّ وَالْهَرَبِ مِنْ مُوَاجَهَةِ الْأَدِلَّةِ، وَالْتِزَامِ مَا تُوجِبُهُ مِنْهُ إِلَى الْإِجَابَةِ عَنْهَا، وَإِنْصَافِ مُنَاظِرِهِ مِنْ نَفْسِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>